في 21 أيلول 2014 أكد الحوثيون أنهم لم يعودوا حركة تمرّد جبلية صغيرة يمكن تجاهلها وعدم القلق منها، علماً بأن إيران الإسلامية، منذ أول قتال بين الحوثيين والعربية السعودية على الحدود المشتركة عام 2010، أولت اهتماماً أكبر بهؤلاء فأرسلت سفينة تجسّس قبالة الساحل الواقع تحت سيطرتهم مع مستشارين وأموال وشحنات كبيرة من الأسلحة المتقدمة عبر ميناء ميدي، منفذهم البحري الوحيد. لقد سعت طهران الى تحويل الحوثيين “حزب الله الجنوبي” منذ عام 2011 مستغلةً الفوضى في اليمن التي أحدثها “الربيع العربي” والفشل في استبدال حكومة الرئيس علي عبد الله صالح بأخرى أكثر استقراراً.
هل عملت خلال السنوات العشر 2014-2024 لاحتلال الحوثيين شمال اليمن المكتظ بالسكان الدول المهتمة به ولا سيما الأجنبية منها؟ علمت الدول المهتمة باليمن ولا سيما الكبرى منها أن الوقاية هي دائماً أرخص من العلاج عندما يتعلّق الأمر بسيطرة متطرّفين عنيفين على الدول، إذ إن القضاء على الحوثيين أو إبعادهم عن السلطة الآن سيحتاج الى جهد كبير وسنوات كثيرة وربما عقود. وقد يعيد ذلك الحرب الشرسة الى اليمن. هذا ما يقوله باحث أميركي مهم جداً ومتخصّص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج العربية. ويضيف: لا أحد مستعد في الوقت الحالي لمواجهة الحرب التي تقترب باطّراد. ولا بد يوماً من أن يطالب الحوثيون بأمور ترفضها دول المنطقة مثل السيطرة على حقول النفط والغاز اليمنية في مأرب وإجراء إتصالات جوية وبحرية غير مراقبة مع إيران. ذلك أنهم يؤمنون بأن التهديد يؤتي ثماره وبأن الدول المجاورة قد تضطر الى خداع الحوثيين ومواجهتهم في وقت واحد. لكن تهديدات هؤلاء جدّية دائماً ولا سيما إذا تعلّق الأمر بالحرب.
هل من مأساة لليمن وفيه؟ يتساءل الباحث الأميركي نفسه ثم يجيب: المأساة هي أن القوات التي تقودها دولة الإمارات العربية المتحدة في اليمن أنجزت معظم العمليات العسكرية الصعبة مثل إبعاد الحوثيين عن ساحل البحر الأحمر. وفّر ذلك فرصة بعد أربع سنوات من حكمهم لقطع الصلة بين “حزب الله الجنوبي” الجديد وإيران. لم تكن هناك أي حاجة الى جنود أو بحارة أو طيارين أميركيين للتدخل من أجل تحقيق ذلك. كل ما كان على واشنطن فعله هو البقاء بعيدة عن الطريق. لكنها بدلاً من ذلك أبرمت بواسطة حكومتها أو إدارتها مع بريطانيا والأمم المتحدة “اتفاق ستوكهولم” في كانون الأول 2018 الذي أعاد فعلياً ساحل البحر الأحمر الى الحوثيين.
كانت هناك مناطق كثيرة يستخدمها هؤلاء في هجماتهم الأكثر فاعلية على الشحن العالمي تحت السيطرة الإماراتية واليمنية (الرسمية) قبل الاتفاق المذكور. واليوم تجني الولايات المتحدة ما زرعته (مطاردة الحوثيين حاملات الطائرات الأميركية خارج البحر الأحمر مثل “يو. إس. إس. آيزنهاور”) بصواريخ باليستية مضادة للسفن. وصارت هجماتهم الآن أكثر تعقيداً لأن الوجود البحري الدولي في البحر الأحمر ضعيف للغاية. يساعد ذلك الحوثيين على جمع السفن الاستطلاعية والزوارق المتفجّرة والطائرات المسيّرة والصواريخ المضادة للسفن، بحرية تامة. على أميركا أن تتعلم من ذلك درساً هو الآتي: لا تشتكِ من حلفائك إذا قاموا بالضروري لضمان أمنهم الخاص ثم لا تلمهم عندما يفعلون ما أردته أنت بالضبط.
هل لا تزال مواجهة الحوثيين ممكنة؟ حقّق هؤلاء في السنوات العشر الماضية نمواً غير مسبوق ولا سيما منذ 7 أكتوبر 2024 وعملية “طوفان الأقصى”، ففي 2011 كانوا بالكاد قادرين على إطلاق صاروخ كاتيوشا غير موجّه على هدف يبعد 15 كيلومتراً. وبدءاً من عام 2015 صاروا يطلقون صواريخ باليستية على الرياض بمدى يتجاوز 1000 كيلومتر. ما كان ذلك ليحدث إلا بمساعدة تقنية من إيران و”حزب الله”. وهم الآن يتصدّرون الصفوف الأمامية في “محور المقاومة” الإيراني. وفي العام الحالي أطلق الحوثيون لا إيران صاروخاً على حاملة طائرات أميركية لكنهم لم يصيبوها لسبب غير معروف. إلا أنه أثار القلق لقربه من الهدف. طبعاً حاولت الحكومة الشرعية اليمنية ممارسة ضغط على اقتصاد الحوثيين لكنهم هدّدوا بإطلاق صواريخ على حلفائها الاستراتيجيين، فأوقفت الحكومة نفسها ضغطها.
لقد “قولب” الحوثيون شباب “يمنهم” منذ يفاعتهم يوم استولوا على السلطة و”شكّلوا” عقلهم وأقنعوهم بأن دول الخليج والأميركيين والإسرائيليين و”القاعدة” يعملون معاً لتدمير اليمن. ما الحل؟ تعامل الدول العربية وحلفائها معهم لتهدئتهم أولاً ولكن بطريقة هي مزيج من “الحزم والعزل” بهدف قطع صلتهم بإيران.
Sarkis.naoum@annahar.com.lb