يتكبد الجيش اللبناني اليوم خسائر مباشرة وغير مباشرة، إذ قُتل ثمانية من عناصره حتى اليوم، “ومن المرجح أن يكون قد قُتل 16 عنصرا في الجيش اللبناني خلال وجودهم خارج الخدمة”، بحسب الـ CNN. وعلى رغم احتدام المعركة، لم يدخل الجيش ولن يدخل في هذه المعارك نظراً الى ضعف قدرات الجيش والاتفاقات الدولية والإقليمية التي تمنعه من مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي.
في ظلّ تصاعد الحديث عن ضرورة تعزيز دور الجيش اللبناني في مرحلة ما بعد الحرب، بخاصة في ما يتعلق بتطبيق قرارَي مجلس الأمن الدولي 1701 و1559 اللذين ينصّان، بشكل عام، على حصر السلاح بيد الجيش اللبناني، قتلت قوات الاحتلال الاسرائيلي يوم الأحد ثلاثة جنود لبنانيين بغارة على شاحنة تابعة للجيش اللبناني في حنين بجنوب لبنان.
سارع جيش الاحتلال بعدها لـ “لاعتذار” عما وصفه بـ”الظروف غير المرغوب فيها” التي أدت إلى قتلهم. وجاء في البيان أن “وصول الشاحنة المملوكة للجيش اللبناني لم يكن معروفاً للجيش الإسرائيلي”، وأردف: “عمليات الجيش الإسرائيلي ليست ضد الجيش اللبناني ونعتذر عن هذه الظروف غير المرغوبة”.
من أبرز مفارقات الحرب الحالية على لبنان هو غياب أي دور للجيش اللبناني على الحدود عن المعارك والاشتباكات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية. نحن، كلبنانيين، اعتدنا على هذا المشهد، ولم يعد يثير تساؤلات كثيرة بيننا. ومع ذلك، يبقى من غير الطبيعي أن يكون الجيش الوطني على هامش قرار السيادة وحماية الحدود. كتبت مجلة “فايننشال تايمز”: “منذ أن غزت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان وبدأت في القتال مع حزب الله على الأرض لأول مرة منذ عقدين، كان هناك غياب ملحوظ عن الصراع: الجيش اللبناني”.
قضى اتفاق الطائف الذي انتهت بفعله الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989 بـ “الإعلان عن حل جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر تبدأ بعد التصديق على وثيقة الوفاق الوطني”. وبذلك نزع الاتفاق سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان على أن “يجري توحيد وإعداد القوات المسلحة وتدريبها لتكون قادرة على تحمل مسؤولياتها الوطنية في مواجهة العدوان الإسرائيلي”، بحسب الوثيقة.
تمّ استثناء سلاح حزب الله من بند تسليم سلاح الميليشيات في سياق المعادلة السياسية التي فرضها واقع لبنان ما بعد الحرب من خلال تقاسم النفوذ بين إيران وسوريا.
يتكبد الجيش اللبناني اليوم خسائر مباشرة وغير مباشرة، إذ قُتل ثمانية من عناصره حتى اليوم، “ومن المرجح أن يكون قد قُتل 16 عنصرا في الجيش اللبناني خلال وجودهم خارج الخدمة”، بحسب الـ CNN. وعلى رغم احتدام المعركة، لم يدخل الجيش ولن يدخل في هذه المعارك نظراً الى ضعف قدرات الجيش والاتفاقات الدولية والإقليمية التي تمنعه من مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي.
يُعتبر تقويض قدرات الجيش جزءاً من تقويض قدرات الدولة ومصادرة قرارها في السلم والحرب، فالجيش يعكس الانقسامات السياسية والطائفية في البلاد. معادلة تقاسم السلطة والمناصب بين الأحزاب الطائفية نفسها تحكم الجيش اللبناني وتعرّضه “للمناورات السياسية والاستقطاب”، وفقًا لدارسة معهد السياسات البديلة (API).
تعكس المناصب العليا في القوات المسلحة اللبنانية الهياكل الطائفية للدولة اللبنانية: وفقاً للتقاليد، يجب أن يكون قائد القوات المسلّحة اللبنانية مسيحياً مارونياً، ورئيس الأركان درزياً، فيما يجب أن يمثل أربعة جنرالات الطوائف السنية والشيعية والروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك.
يؤكد سامي حلبي، مدير قسم السياسات في معهد السياسات البديلة (API)، في مقابلة مع موقع “درج” ضرورة “أن نأخذ بالاعتبار أن بنية الجيش اللبناني تعتمد على الأهداف المرجوّة منه. من الناحية السياسية، لا يوجد توافق حول أهداف دوره. يتفقون على شيء واحد فقط، وهو أن الجيش يجب أن يوفر خدمة توظيف عامة. في غياب اتفاق سياسي بشأن دور مؤسسة الدفاع الوطني، ينتهي بها الأمر بمحاولة القيام بكل شيء. وعندما تقوم بكل شيء، فإنك تفعل الكثير من كل شيء ولكن ليس ما يكفي في أي شيء”.
لا بد من التذكير أيضاً بأن لحزب الله تأثيراً كبيراً على الجيش اللبناني، إذ يلعب دوراً أساسياً في عملية اتخاذ القرار. يقول حلبي: “هناك توازن قوى في الجيش… مؤسسة الجيش جزء من اتفاق إقليمي أوسع حول توازن القوى”. ويضيف: “إذا خسر حزب الله نخسر جميعاً [كلبنانيين]، وإذا ربح فهو يربح”.
في ما يتعلق بالتوظيف في القطاع العام، يجب الإشارة إلى أن الجيش اللبناني يضم نحو 80 ألف عنصر، وهو عدد كبير جداً بالنسبة الى دولة صغيرة مثل لبنان، وفقاً لدراسة معهد السياسات البديلة. كما يوفر الجيش اللبناني خدمات ومستلزمات لعائلات العناصر أيضاً.
كيف يقيّد الدعم الأميركي للجيش قدراته؟
تُقدر المساعدات العسكرية الأميركية للبنان منذ عام 2006 بنحو 3 مليارات دولار، منها مليارا دولار على شكل أسلحة، وفقاً لموقع The Intercept الأميركي. قدمت الولايات المتحدة أكثر من 80 في المئة من معدات القوات المسلحة اللبنانية، بما في ذلك الطائرات والمركبات والأسلحة والمعدات الأخرى، كجزء من جهودها لمكافحة الإرهاب في المنطقة، بحسب دراسة معهد السياسات البديلة.
تشير دراسة بعنوان: “المساعدات العسكرية الأميركية للبنان: تجهيز الجيش اللبناني من دون تحويله”، نُشرت على موقع الجيش اللبناني عام 2012، إلى أنّ الاهتمام الأميركي بدعم الجيش اللبناني تصاعد منذ عام 2006، وذلك بعد ما عُرف بـ “ثورة الأرز” عام 2005 وخروج جيش النظام السوري من لبنان عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
طلبت إدارة الرئيس السابق جورج بوش عام 2006 زيادة المساعدات الأمنية الأميركية للبنان، وكانت تلك “المرة الثالثة في الخمسة والعشرين عاماً الماضية التي تسعى فيها الولايات المتحدة إلى توسيع التعاون العسكري مع الحكومة اللبنانية. قدمت الولايات المتحدة للقوات المسلحة اللبنانية في أوائل الثمانينات 145 مليون دولار ومن ثم 190 مليون دولار كمنح وقروض. كما قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية في أوائل التسعينات على شكل معدات غير قاتلة مثل مركبات M-113 وطائرات هليكوبتر UH-1. وللمرة الأولى منذ عام 1984، طلبت إدارة بوش تمويلاً عسكرياً أجنبياً (FMF) للبنان في ميزانية السنة المالية 2006. حفزت حرب صيف 2006 الكثير من المانحين الغربيين والعرب على زيادة مساعداتهم للقوات المسلحة اللبنانية. ورفعت إدارة بوش مساعداتها للبنان إلى 42 مليون دولار لتوفير المعدات وقطع الغيار للقوات المسلحة اللبنانية”، بحسب الدراسة.
بعد اشتباك الجيش اللبناني مع القوات الإسرائيلية على الحدود في 3 آب/ أغسطس 2010، أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية للبنان، وعرضت إيران تقديم مساعدتها العسكرية الخاصة للقوات المسلحة اللبنانية. أعربت إدارة أوباما وخبراء في الشرق الأوسط عن قلقهم من أن قطع المساعدات العسكرية يمثل ضربة خطيرة لقدرة الجيش اللبناني على العمل كقوة استقرار إقليمية، ما يعزز من دور حزب الله ويدفع لبنان أكثر نحو النفوذ الإيراني، وفقاً للدراسة. واصلت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما دعم الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي عبر قوانين الاعتمادات للأعوام 2009 و2010 و2011. وما زال الدعم مستمراً حتى اليوم.
تبدي الولايات المتحدة بشكل علني اهتمامها بتقوية الجيش والدولة اللبنانية. ففي اجتماع مجلس الأمن في 10 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، قال نائب السفير الأميركي روبرت وود إن المجتمع الدولي يجب أن يركز جهوده على تعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية. وأضاف: “الحل لهذه الأزمة ليس لبنان أضعف، بل لبنان قوي وذو سيادة حقيقية، محمي بقوة أمنية شرعية تتمثل في القوات المسلحة اللبنانية”.
ومع ذلك، الواقع مختلف. يقول سامي حلبي، في مقابلة لموقع “درج”: “الأميركيون ليسوا مهتمين بوجود جيش لبناني قادر على الدفاع عن نفسه… ولم يعطوا لبنان أو الجيش اللبناني القدرة على امتلاك دفاعات جوية… بالنسبة إليهم، على رغم كل المشاكل مع إسرائيل، فإن الإسرائيليين يقومون بالأعمال القذرة في المنطقة ليس فقط عسكرياً ولكن أيضاً استخباراتياً. لذا فإن الأميركيين لن يقدموا للجيش اللبناني أي شيء يقارب تأثير الردع الذي يمتلكه حزب الله، ما يعني أننا سنظل ندور في حلقات حتى يكون هناك اتفاق إقليمي على كيفية ضمان الأمن للبلاد”، وهذا الاتفاق يقوم على أن تقدّم الأطراف كافة تنازلات حقيقية.
أما مستقبل المعركة والبلاد فسيعتمد على نتائج المواجهات الميدانية في الأيام والأسابيع المقبلة.