مرّ 13 عاماً على تأسيس “المجلس الوطني الكردي” في سورية، لم تستطع خلالها القوى السياسية الكردية في البلاد التوصل إلى مرجعية واحدة، في تشابه مع مشهد المعارضة السوري ككل، الذي يعاني من الانقسامات وتعدد التيارات السياسية متباينة الرؤى والأهداف. وكان المجلس الوطني الكردي في سورية قد تأسس في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، حين كانت الثورة السورية في طورها السلمي، وذلك في خطوة للم شمل القوى والأحزاب الكردية لمواجهة استحقاقات الحل السياسي للقضية السورية والذي لم يتحقق.

مسيرة المجلس الوطني الكردي
اعتبرت الأمانة العامة للمجلس الوطني الكردي في سورية، أول من أمس الجمعة، أن مسيرة هذا المجلس “جسدت منذ انطلاقتها إرادة الشعب الكردي في سورية لتوحيد صفوفه وتعزيز العمل المشترك لتحقيق أهدافه”، مشيرة في بيان إلى أن “المجلس لا يزال مشروعاً شاملاً يعبر عن تطلعات الشعب الكردي المشروعة، ومنبراً لتطوير أداء أعضائه من أحزاب وشخصيات ومنظمات”. وذكرت الأمانة أن المجلس بذل جهوداً في مجال تحقيق وحدة الموقف الكردي “رغم عدم تجاوب الطرف الآخر حزب الاتحاد الديمقراطي (أكبر أحزاب الإدارة الذاتية والمسيطر على قوات سوريا الديمقراطية عبر وحدات حماية الشعب)، لتحقيق التوافق المنشود”. كما أشارت إلى أن المجلس “سعى لتعزيز العلاقات الأخوية مع مختلف مكونات المنطقة من عرب وسريان وآشوريين وغيرهم”، موضحاً أنه “أسهم في تأسيس عدة تيارات سياسية في شمال شرقي سورية”.

إبراهيم مسلم: “الوطني الكردي” انتهى حتى في نظر أنصاره

ودان المجلس في ذكرى التأسيس الانتهاكات التي تقوم بها بعض فصائل المعارضة السورية في مناطق بها حضور سكاني كردي في شمال سورية. كما دان الانتهاكات التي “يقوم بها حزب الاتحاد الديمقراطي بحق المواطنين”، مطالباً بالإفراج الفوري عن كافة معتقلي المجلس المحتجزين لدى “الإدارة الذاتية” (التابعة لقسد). وكان المجلس الوطني الكردي انضم إلى الائتلاف الوطني السوري، العنوان الأبرز للمعارضة السورية، منذ تأسيسه في عام 2012، وبات ممثلاً للأكراد السوريين في المشهد السياسي. ودخل المجلس بدفع من الجانب الأميركي في عام 2020 في عدة جولات حوار، ترقى إلى مستوى المفاوضات مع أحزاب “الإدارة الذاتية” وفي مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي، إلا أنها لم تفض لأي اتفاق، بسبب رفض هذا الحزب إبداء مرونة إزاء بعض القضايا، أبرزها فكّ الارتباط بينه وبين حزب “العمال الكردستاني”، وتعديل العقد الاجتماعي، وإلغاء التجنيد الإجباري، ودخول البشمركة السورية من إقليم كردستان العراق إلى شمال شرقي سورية.

واعتبر المجلس الوطني الكردي أن المسألة الكردية في سورية تحل في سياق الحل السياسي للقضية السورية بناء على القرارات الدولية وأبرزها القرار 2254، بعيداً عن أي مشروعات سياسية أخرى تتعلّق بالأكراد في تركيا أو غيرها من البلدان. والمجلس الوطني الكردي السوري مدعوم على كل المستويات من إقليم كردستان العراق. والمجلس متهم من خصومه باتخاذ مواقف وُصفت بـ”الرخوة” حيال المشروع التركي في شمال سورية، خصوصاً في المناطق ذات الغالبية الكردية، وفي مقدمتها عفرين، والقائم على إحداث تغيير ديمغرافي لتعزيز النفوذ التركي في هذه المناطق.

مصير المجلس
في السياق، رأى الناشط السياسي السوري الكردي إبراهيم مسلم في حديث مع “العربي الجديد” أن المجلس “انتهى في نظر حتى أنصاره منذ احتلال تركيا لعفرين في مارس/آذار 2018، لأن أعضائه فضلوا مصلحتهم الحزبية على مصلحة أهلنا في عفرين، فضلاً عن اتهام المجلس لوحدات حماية الشعب بالإرهاب”، مضيفاً: المجلس الوطني الكردي بات مقتصراً على الحزب الديمقراطي الكردستاني – سورية.

المجلس متهم من خصومه باتخاذ مواقف وُصفت بـ”الرخوة” حيال المشروع التركي في شمال سورية

 

ويُنظر إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي تأسس في عام 2003، على أنه نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، والمصنف من عدة دول ضمن خانة “التنظيمات الإرهابية”، لتبنّيه فكر وفلسفة عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال، والقابع في سجن تركي منذ عام 1999. وحاولت قيادة إقليم كردستان العراق في عام 2014 جسْر هوة الخلاف بين “المجلس” و”الاتحاد”، فعقدت في مدينة دهوك اجتماعات أسفرت عن اتفاق نصّ على تشكيل مرجعية سياسية كردية، كانت نسبة تمثيل “الاتحاد الديمقراطي” والأحزاب التي تدور في فلكه فيها 40 في المائة، وحاز “المجلس الوطني الكردي” 40 في المائة، وتوزعت الـ 20 في المائة الباقية على الأحزاب والقوى غير المنخرطة في الجسمين السياسيين. ولكن الاتفاق لم يجد طريقه للتنفيذ، بل زادت الخلافات بين الجانبين في السنوات الأخيرة، في انعكاس لمشهد المعارضة السورية ككل والتي تضم تيارات سياسية متباينة الرؤى والأهداف.