أظهرت المعطيات في محافظة درعا في الجنوب السوري، أن التسويات التي أجراها النظام بدءاً من عام 2018 مع فصائل المعارضة السورية، لم تجلب الاستقرار للمحافظة، بل أدت إلى حالة من الفوضى الأمنية العارمة، وقفت وراءها، على الأرجح، الأجهزة الأمنية الداعمة للعصابات المحلية الممتهنة الخطف وتهريب المخدرات. وشهد شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي العديد من حالات الخطف بهدف الحصول على مبالغ مالية كبيرة من أهالي المخطوفين، وهو ما عمّق حالة الخوف لدى سكان هذه المحافظة التي لم تعرف الاستقرار منذ عام 2011، إلا أن الفوضى أخذت أبعاداً خطرة منذ استعادة النظام السيطرة عليها بدءاً من عام 2018، بدعمٍ لا محدود من الجانب الروسي. وأطلقت إحدى العصابات، السبت الماضي، سراح شاب من بلدة انخل بعد احتجازه لنحو شهر، مقابل فدية مالية قدرها 10 آلاف دولار دفعتها عائلته للعصابة.

مصادر: النظام حوّل درعا إلى أهم منفذ له لتهريب المخدرات إلى الأردن ومنه إلى دول الخليج

456 حالة اختطاف في درعا
في أحدث التقارير من قبل مراكز توثيق انتهاكات، بيّن أحدها، أصدره أول من أمس الأحد “تجمع أحرار حوران”، وهو “مؤسسة إعلامية مستقلة، تعمل على تغطية الأوضاع في مناطق جنوب سورية، وتوثق مهنيّاً الانتهاكات التي ترتكبها الأطراف كافة”، حصول 456 حالة اختطاف في محافظة درعا، منذ سيطرة النظام على الجنوب السوري عام 2018، حتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وأوضح التقرير أن مجموعات الخطف الناشطة في المحافظة، مدعومة من الأجهزة الأمنية للنظام لـ “إبقاء درعا في حالة مستمرة من الفوضى، وإغراق الأهالي في صراعات داخلية”.

كما أوضح التقرير أسماء وقادة مجموعات الخطف في المحافظة، ومنها: مجموعة محمد علي الرفاعي الملقب بأبو علي اللحام في بلدة أم ولد، المتعاونة مع مجموعات من أبناء عشائر البدو في منطقتي اللجاة والسويداء، ومجموعة عطا السبتي في اللجاة المرتبطة بتنظيم داعش والمخابرات الجوية. وأشار التقرير إلى أن هناك مجموعة في مدينة طفس، تتلقى أوامر من رئيس فرع الأمن العسكري، لؤي العلي، للعمل على إثارة الفتن العشائرية في المدينة، بجانب عمليات الخطف والاغتيال لصالح فرعي الأمن العسكري والمخابرات الجوية. ولفت التقرير إلى أن قائد المجموعة عبود الشلبك وصل أخيراً إلى ألمانيا عبر دولة ليبيا. وبحسب التقرير هناك “مجموعة محسن الهيمد في مدينة الصنمين، التي ترتبط بفرع الأمن العسكري وتنظيم داعش، وتستهدف شخصيات معارضة وأخرى موالية يرغب النظام في التخلص منها”، إلى جانب مجموعة محمد المسالمة الملقب بهفو، وهو منفذ عمليات الخطف لصالح تنظيم داعش، بين أحياء درعا والنخلة ونصيب، تحت حماية عماد أبو زريق المرتبط بفرع الأمن العسكري، مع تعاون وثيق بينهما في تجارة وتهريب المخدرات.

يوسف المصلح: النظام أعطى الضوء الأخضر للعصابات لتقوم بعمليات الخطف

فوضى النظام في درعا
في السياق، بيّنت مصادر محلية أن النظام الذي دفع نحو الفوضى في درعا منذ استعادة السيطرة عليها بدعم من الجانب الروسي “حوّلها إلى أهم منفذ له لتهريب المخدرات إلى الأردن ومنه إلى دول الخليج”، مؤكدة أن “كل شبكات التهريب تابعة للنظام وأجهزته الأمنية المتعددة”. وكان النظام أجرى منذ منتصف عام 2018 تسويات عدة في مدن وبلدات درعا، خصوصاً للشبان الذين سهّل خروجهم من البلاد من خلال منحهم جوازات سفر من خلال هذه التسويات، في خطوة بدا أن الهدف منها إفراغ المحافظة من الأشخاص الذين شكّلوا خطراً عليه. وهُجّر الرافضون لهذه التسويات إلى الشمال السوري، وبذلك لم يعد لفصائل المعارضة السورية أي وجود في محافظة درعا، مع انضواء عدد من مقاتلي هذه الفصائل في “اللواء الثامن” الذي شكّله الجانب الروسي، ليكون ذراعه العسكرية في جنوب سورية. وظل معظم محافظة درعا تحت سيطرة فصائل الجيش السوري الحر لعدة سنوات، في تهديد مباشر للنظام في العاصمة دمشق، المتاخمة لريف درعا جنوباً.

إلى ذلك، أكد الناشط الإعلامي يوسف المصلح لـ “العربي الجديد” أن ظاهرة خطف المدنيين في بلدات ومدن محافظة درعا “ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وذلك نتيجة انتشار عصابات الخطف بشكل كبير في عموم المحافظة”. وتابع: النظام أعطى الضوء الأخضر لهذه العصابات لتقوم بعمليات الخطف والسرقات والنهب لممتلكات الناس، من أجل تمويل نفسها، في مقابل القيام بعمليات أمنية لصالح النظام كاغتيال شخصيات معارضة أو قتل أشخاص تريد الأجهزة الأمنية التخلص منهم، فضلاً عن الاتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود لصالح قادة هذه الأجهزة. وأوضح أن عمليات الخطف “تحدث في عموم بلدات وقرى المحافظة وليست مقتصرة على جانب معين منها”، مضيفاً: العصابات الإجرامية تنتشر في كل محافظة درعا وحدودها الإدارية. وأشار المصلح إلى أن بعض العشائر في المحافظة تصدر بين وقت آخر بيانات عقب كل عملية خطف، مضيفاً: العشائر تضطر غالباً إلى جمع أموال ودفعها فدية مقابل إطلاق سراح مخطوف. ورأى أن مواجهة هذه العصابات “تحتاج إلى تحرك جدي من قبل الفصائل المحلية المسلحة وخصوصاً من اللواء الثامن، لا سيما أن الكثير من أفراد هذه العصابات معروفون بالاسم لدى الأهالي، لذا من السهل وضع حد لهم”.