يعكس الرد الإيراني المتردد على الهجوم الأخير، الذي شنته الطائرات الحربية الإسرائيلية ضد أهداف عسكرية إيرانية في نهاية الأسبوع، مخاوف طهران من الانجرار إلى حرب مباشرة مع إسرائيل.
وكان الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان قد سارع، في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية ضد إيران في نهاية الأسبوع الماضي، إلى التأكيد على أن النظام الإيراني سيرد على هذه الضربات “بشكل مناسب،” ولكنه شدد على أن طهران لا تسعى لإشعال حرب شاملة مع الدولة اليهودية.
وقال بيزشكيان في اجتماع لمجلس الوزراء الإيراني عقب الهجمات: “نحن لا نسعى للحرب، ولكننا سندافع عن حقوق أمتنا وبلدنا،” مضيفا: “سنقدم ردا مناسبا على عدوان النظام الصهيوني.”
وقد فاجأ رد بيزشكيان المتحفظ على الهجمات العديد من المراقبين الغربيين الذين كانوا قد حذروا من أن أي هجوم إسرائيلي على الجمهورية الإسلامية قد يتسبب في اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط. وتسبب هذه القضية قلقا خاصا لإدارة بايدن، التي تبذل جهودا حثيثة لخفض التوترات في المنطقة قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية في الأسبوع المقبل، حيث تكافح نائبة الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية، لمواجهة تحدي الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وبالفعل، وردت تقارير بأن إسرائيل تجنبت عمدا استهداف مواقع إيرانية حساسة، مثل المنشآت النووية ومنشآت النفط، للحد من تأثير الهجوم العسكري، الذي جاء ردا على الهجوم الصاروخي الإيراني على الدولة اليهودية في أوائل أكتوبر/تشرين الأول.
في ثاني سلسلة من الضربات الجوية التي شنتها إسرائيل ضد إيران، شاركت أكثر من 100 طائرة حربية إسرائيلية في ثلاث موجات من الهجمات قبل الفجر، مستهدفة مصانع الصواريخ ومواقع أخرى بالقرب من طهران وفي غرب إيران، وفقا لما أعلنته مصادر عسكرية إسرائيلية.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية الأمريكية لاحقا أن إحدى الضربات الإسرائيلية أصابت مجمع بارشين العسكري السري على مشارف طهران، ما أدى إلى تدمير مستودعات وقود تُستخدم لمحركات الصواريخ الباليستية.
لم يكن غريبا إذن أن يرحب للرئيس الأميركي جو بايدن بهذا الرد الأكثر اتزانا من جانب إيران، وصرّح بأنه يأمل أن تكون الخطوة الإسرائيلية “نهاية” للتصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران
وأفاد مسؤولون عسكريون إيرانيون بأن الإسرائيليين استخدموا “رؤوسا حربية خفيفة للغاية” لاستهداف أنظمة الرادار الحدودية في محافظات إيلام وخوزستان وحول طهران. وجاء في بيان لهيئة الأركان المشتركة للجيش الإيراني: “لقد منعنا طائرات العدو من دخول المجال الجوي للبلاد… ولم تتسبب الهجمة إلا في أضرار محدودة.”
ورغم تأكيد وزارة الخارجية الإيرانية على أن للنظام “الحق” في الدفاع عن نفسه، ” ويجب عليه”” ذلك، إلا أن البيان جاء بنبرة أكثر تصالحية مقارنة بالتصريحات السابقة، ولا سيما في إشارته إلى أن طهران “تعترف بمسؤولياتها تجاه السلام والأمن الإقليميين.”
ولم يكن غريبا إذن أن يرحب للرئيس الأميركي جو بايدن بهذا الرد الأكثر اتزانا من جانب إيران، وصرّح بأنه يأمل أن تكون الخطوة الإسرائيلية “نهاية” للتصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران.Bottom of Form
من جهتها، قالت هاريس، التي تأمل في خلافة بايدن بفوزها في انتخابات الرئاسة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، إن “وجهة نظر الولايات المتحدة القوية هي أنه يجب أن يكون هناك تهدئة”.
وسيعتمد تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير على قدرة بيزشكيان وغيره من المعتدلين في القيادة الإيرانية، مثل وزير الخارجية عباس عراقجي، على مقاومة دعوات أنصار المرشد الأعلى علي خامنئي المتشددين لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل.Bottom of Form
ولكن بعض المتشددين الإيرانيين دعوا حتى إلى الانتقام من المصالح الأمريكية في المنطقة. وهو ما عبر عنه المعلق المتشدد فؤاد إيذادي، في مقابلة مع موقع “نامه نيوز” المحافظ في إيران، حذر قائلاً: “إن الهجمات ستستمر ما لم تدرك الولايات المتحدة أن الضربات على إيران قد تكون لها تكاليف باهظة. الأميركيون، كخصوم حازمين لإيران، يتصرفون بلا قيود أخلاقية، ولكن، إذا أدركوا أن هجمات إسرائيل على إيران قد تترتب عليها تكاليف عالية بالنسبة للولايات المتحدة، فسوف تتوقف هذه الضربات.”
حتى أن بعض المتشددين الإيرانيين دعوا إلى استهداف المصالح الأميركية في المنطقة انتقاما للهجمات. ففي مقابلة مع موقع “نامه نيوز” الإيراني المحافظ، حذر المعلق المتشدد فؤاد إزادي قائلا: “لن تتوقف الهجمات إلا إذا أدركت الولايات المتحدة أن الهجمات على إيران قد تكون مكلفة”. وأضاف: “الأميركيون، باعتبارهم خصوم إيران الأشداء، يتصرفون دون حدود أخلاقية. ولكن إذا شعروا بأن هجمات إسرائيل على إيران ستكلف الولايات المتحدة ثمنا باهظا، فستتوقف هذه الهجمات.”
ومع ذلك، تشير جميع الدلائل إلى أن الفصيل الأكثر اعتدالا، بقيادة بزشكيان، هو الذي يسيطر على النقاش الجاري في طهران حول أفضل طريقة للرد على الهجوم الإسرائيلي، حيث إن محدودية قدرة إيران على تنفيذ رد فعال ضد الإسرائيليين أصبحت تشكل عاملا رئيسيا بشكل متزايد.
علاوة على فشل طهران في منع الهجوم الجوي الإسرائيلي الواسع ضدها في نهاية الأسبوع، تواجه إيران تحديات كبيرة في التعامل مع النكسات المدمرة التي لحقت بحلفائها الرئيسيين، مثل حماس في غزة وحزب الله في جنوب لبنان، على يد القوات الإسرائيلية خلال العام الماضي.
وفقا لأحدث التقديرات الاستخباراتية، فقدت “حماس” ما لا يقل عن 21 من أصل 24 كتيبة قتالية كانت تعمل عند هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي
ووفقا لأحدث التقديرات الاستخباراتية، فقدت “حماس” ما لا يقل عن 21 من أصل 24 كتيبة قتالية كانت تعمل عند هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي. ولا ننسَ العديد من قادتها الذين قُتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي المستمر على غزة، ، بمن فيهم يحيى السنوار.
والوضع مشابه في لبنان، حيث استهدفت الحملة العسكرية الإسرائيلية عددا من القواعد الصاروخية الرئيسية لحزب الله، بينما قتلت عددا من القادة البارزين في “حزب الله”، بما في ذلك زعيم الحركة حسن نصر الله، الذي قُتل في غارة جوية إسرائيلية على مقره في بيروت في سبتمبر/أيلول الماضي.
وقد تعهد نعيم قاسم، رجل الدين اللبناني الذي خلف نصر الله، بمواصلة النضال ضد إسرائيل، محذرا الإسرائيليين، في خطاب ألقاه مؤخرا فقال: “ستموتون من الرعب، وسينهار اقتصادكم، ولن تحققوا أهدافكم.”
مع ذلك، هناك إدراك متزايد في طهران، خاصة بين المعتدلين، بأنه كلما استمرت إسرائيل في هجماتها العسكرية، زاد الضرر الذي قد تلحقه بحلفاء إيران الرئيسيين، حماس وحزب الله.
وقد أثارت هذه التطورات التكهنات بأن إيران مهتمة بجدية بدعم وقف إطلاق النار في كل من غزة ولبنان، خاصة بعد أن أصدرت القوات العسكرية الإيرانية بيانا مصاغا بعناية بدا وكأنه يشير إلى أن وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولبنان سيكون أكثر أهمية من أي رد انتقامي ضد إسرائيل. من منظور طهران، فإن وقف إطلاق النار سيساهم بالتأكيد في الحد من الخسائر الجسيمة التي يتكبدها حلفاؤها.
+ / –
font change
حفظ
شارك