مسودة اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، التي بلورتها الولايات المتحدة وتم نقلها لإسرائيل في إطار النقاشات حول الخطة النهائية، تشمل تفويضاً واسعاً لإسرائيل بالهجوم على طول الحدود داخل أراضي لبنان لإحباط تهديدات حزب الله أو منظمات أخرى. وحسب المسودة، فإنه في كل حالة تشخص فيها إسرائيل وجود تهديدات عليها في عمق أراضي لبنان، من بينها إنتاج السلاح وتخزينه ونقل السلاح الثقيل والصواريخ البالستية أو صواريخ للمدى المتوسط أو البعيد، سيسمح لها بالعمل عسكرياً، هذا فقط إذا فشلت الحكومة اللبنانية أو أي جسم رقابة آخر يتم تأسيسه برعاية أمريكا في محاولة إحباط هذه التهديدات. إضافة إلى ذلك، جاء في المسودة أن إسرائيل يمكنها الاستمرار في القيام بطلعات جوية عسكرية في سماء لبنان لأهداف استخبارية وتعقب.
الوثيقة الأمريكية التي نقلت لإسرائيل كجزء من النقاشات حول وقف إطلاق النار وكشف عنها في “كان” تنص على أن الجيش اللبناني سيكون القوة المسلحة الوحيدة، إضافة إلى قوة اليونيفيل التي سيسمح لها العمل في أراضي لبنان. سيعطى الجيش اللبناني توجيهات بمنع إدخال سلاح أو وسائل قتالية غير مرخصة في المعابر الحدودية، وسيعمل على تفكيك مصانع وبنى تحتية لإنتاج السلاح والذخيرة التي أقامتها المنظمات المختلفة في لبنان. وتتضمن الوثيقة أيضاً تصريحاً أمريكياً فيه أنه سيكون لإسرائيل بعد انسحاب جيشها من لبنان، الحق في الدفاع عن نفسها، حسب القانون الدولي، والحفاظ على الأمن على طول الحدود في الشمال، بما في ذلك القيام بنشاطات ضد تهديدات على أمن إسرائيل. الاتفاق يحدد منطقة في أراضي لبنان على طول خط الحدود، تعترف فيها الولايات المتحدة بحق إسرائيل في “العمل للدفاع الفوري عن النفس”.
المسودة لا تحدد الموعد الذي سيدخل فيه وقف إطلاق النار إلى حيز التنفيذ. ولكن من لحظة الإعلان ستحدد فترة ستين يوماً من أجل تطبيق الاتفاق بالكامل. حسب الخطة، تنسحب إسرائيل من لبنان في فترة لا تتجاوز الأسبوع منذ وقت دخول الاتفاق إلى حيز التنفيذ. وينشر الجيش اللبناني قواته على طول حدود الدولة. الولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان، سينشئون آلية مشتركة للرقابة وتنفيذ الاتفاق، التي ستتأكد من تطبيق بنود الاتفاق، ويمكن لإسرائيل ولبنان إبلاغ الجسم المراقب على أي خرق للاتفاق.
الاتفاق يطالب بتطبيق القرار 1701، الذي ينص على أن “الولايات المتحدة تؤكد دعمها لإسرائيل في تطبيق القرار الذي سيضمن عدم استخدام حزب الله وقوات مسلحة أخرى قوتها مجدداً أو السلاح والبنى التحتية في جنوب لبنان”. وتنص المسودة أيضاً على أن إسرائيل والولايات المتحدة ستتشاركان في المعلومات الاستخبارية الحساسة فيما يتعلق بالخروقات أو الاشتباه بخرق الاتفاق من الطرف اللبناني. المعلومات ستنقل إلى الحكومة اللبنانية أو جهاز رقابة بديل كي يعمل ضد الخروقات. كتب في المسودة أن الإدارة الأمريكية ملزمة بالعمل مع إسرائيل وشركاء آخرين ضد جهود إيران لتقويض الاستقرار في لبنان ومنع إيران ووكلائها من السعي إلى تقويض خطة وقف إطلاق النار.
رداً على التقارير حول المسودة، قال البيت الأبيض “هناك تقارير ومسودات كثيرة يتم تداولها. وهي لا تعكس وضع المفاوضات الحالية”. مبعوثا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المنطقة، عاموس هوكشتاين وبيرت ماك غورك، يتوقع أن يصلا اليوم إلى إسرائيل في محاولة لاستكمال المحادثات حول وقف إطلاق النار على الحدود الشمالية. مصادر مطلعة على هذه الزيارة أشارت إلى أن قدومهما يدل على تقديرات لدى الإدارة الأمريكية بأن إسرائيل ولبنان ناضجان لاستكمال الاتصالات. رئيس الحكومة الانتقالية في لبنان، نجيب ميقاتي، قال في مقابلة أجريت معه في قناة “الجديد” اللبنانية بأنه بعد المحادثة مع هوكشتان، يأمل، مع حذر، التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع إسرائيل خلال بضع ساعات أو بضعة أيام.
وأضاف ميقاتي بأنه كان على حزب الله قطع الصلة بين غزة وجبهة لبنان، في مرحلة أبكر. وقال أيضاً بأن لبنان يضمن تطبيق القرار 1701 بدون أي إضافة، وأن الجيش اللبناني سيصل مباشرة إلى الجنوب تدريجياً. وأن الشرط الأول لتطبيق وقف إطلاق النار من ناحية بيروت هو دخول الجيش اللبناني وانتشاره في موازاة انسحاب الجيش الإسرائيلي.
مصدر إسرائيلي رفيع مشارك في النقاشات حول الصفقة قدر بأن طريقة تطبيق الاتفاق بالكامل ما زالت بعيدة. وحسب قول هذا المصدر، فإنه “مشكوك فيه إذا كان يمكن استكمال النقاشات حتى موعد الانتخابات الأمريكية. وحتى إذا تم التوصل إلى الاتفاق في الأيام القريبة القادمة، فسيحتاج تطبيقه إلى بعض الوقت. وانتشار الجيش اللبناني أو ترتيب تفويض جديد ومهم لقوة دولية ستوضع على طول الحدود ستحتاج إلى الاستعداد”.
تتعامل إسرائيل مع الاتفاق المتبلور كعلامة مهمة على الطريق لإعادة سكان الشمال المخلين إلى بيوتهم. “لا أحد سيعود إلى بيته إذا لم يعرف بأن هذا الاتفاق يوفر له الأمن ويضمن قدرة إسرائيل على التعامل بعدة طرق عندما يتم تقويضه من جديد من قبل حزب الله أو جهات أخرى”، قال المصدر الإسرائيلي.
الإدارة الأمريكية تواصل في موازاة ذلك المضي بالجهود الدبلوماسية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في القطاع وإطلاق سراح المخطوفين المحتجزين. هذه العملية يقودها رئيس الـ سي.آي.ايه وليام بيرنز، الذي يجري محادثات في هذا الشأن مع شخصيات رفيعة في إسرائيل وقطر ومصر، استمراراً للقاء الذي أجراه في بداية الأسبوع مع رئيس الموساد دافيد برنياع ورئيس الحكومة القطرية.
مصدر أمريكي يشارك في النقاشات في هذا الشأن، قال للصحيفة بأن هناك مسألة رئيسية لم تحل بعد، وهي: هل سيكون أي اتفاق مع لبنان مقبولاً على حزب الله ما دامت الحرب في غزة مستمرة، مع التأكيد على نشاطات الجيش الإسرائيلي في شمال القطاع، التي تعرض في العالم كمحاولة إسرائيل نقل السكان الفلسطينيين من هذه المنطقة إلى جنوب القطاع باستخدام القوة. هذا المصدر حذر أيضاً من أنه رغم التقدم في صياغة مسودة الاتفاق بين إسرائيل ولبنان، فإن هناك خطراً في أن الاتصالات حول الساحة الشمالية ستواجه أزمة أيضاً بسبب فشل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
لدى الإدارة الأمريكية قنوات دبلوماسية موازية للساحتين، وهي لا تربط بينهما بشكل رسمي. في مسودة الاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، لا يوجد ذكر مفصل لقطاع غزة، لكن قرار إرسال هوكشتاين لجولة محادثات أخرى مع إسرائيل والحكومة اللبنانية، وفي موازاة ذلك مواصلة المحادثات حول اتفاق على تحرير المخطوفين ووقف الحرب في غزة، يعكس اعترافاً غير رسمي بأن العلاقة بين ساحتي القتال لم يتم قطعها بعد.
إضافة إلى ذلك، من غير الواضح إذا كان حزب الله رغم الضربات الشديدة التي تكبدها في الأشهر الأخيرة والتأكيد على فقدان معظم مستويات القيادة وجزء كبير من ترسانة صواريخه، سيوافق على طلب إسرائيل، وحرية العمل في لبنان إزاء ما تعتبره إسرائيل خروقات للاتفاق. وقال المصدر الأمريكي إن هذا البند قد يثير معارضة من قبل حزب الله، إلا إذا تم وضع آلية منظمة لتحديد هذه الخروقات.