The work of the 11th Congress of the National Liberation Front (FLN) at the International Conference Center (CIC) in Algiers, Algeria on November 11, 2023, over three days, this Congress should designate the successor to the current Secretary General of the party (Photo By Amine Chikhi / APP/NurPhoto via Getty Images)

حرك قرار الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بتعيين رئيس جديد للوزراء، وإعلان انتخاب الأمين العام للحزب الأكبر في الجزائر، جبهة التحرير الجزائرية، المشهد السياسي في البلاد، لا سيما أن التغييرات تزامنت مع بداية العد التنازلي للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في ديسمبر/كانون الأول القادم.

وبرز بوضوح تعاطي الساحة السياسية والإعلام مع الأحداث، بعد أن طغت التطورات الميدانية والسياسية المتصلة بالحرب في قطاع غزة على التطورات المحلية واعتلت سلم الأولويات لدى المتابع الجزائري.

بدأ الأسبوع بإقالة رئيس الوزراء أيمن بن عبدالرحمن، بعد شغله المنصب لأكثر من عامين، بالتحديد منذ الخامس من يونيو/حزيران 2021، وتعيين نذير العرباوي الذي يعتبر من أبرز الشخصيات الدبلوماسية في الجزائر خلفا له، حيث سبق أن تولى منصب سفير الجزائر في الأمم المتحدة، ليعين مؤخرا كمدير لديوان الرئاسة خلفا لعبدالعزيز خلف.

 

حتى اللحظة، ليس معلوما إذا كان العرباوي سيقوم بتشكيل جهاز تنفيذي جديد أم إنه سيكمل مع الفريق الحالي، مع العلم آن آخر تعديل حكومي أجري كان في شهر مارس/آذار الماضي.

ويرجح أستاذ العلوم السياسية في جامعة بسكرة، الدكتور نور الصباح عكنوش، “توجه رئيس الوزراء الجديد نذير العرباوي نحو تشكيل حكومة جديدة مفتوحة بلون سياسي، وقد تضم وزراء من أحزاب مختلفة في منظور لم الشمل الذي يبني عليه الرئيس الجزائري رؤيته للمرحلة القادمة والتي تحتاج إلى ضخ دماء جديدة بعد تسجيل ثقل في أداء بعض المستويات التنفيذية، مما أبطأ من سرعة العمل الحكومي في بعض القطاعات التي تحتاج لجهد أكبر وطاقة جديدة تستجيب لإرادة قيادة البلاد في دفع وتيرة التنمية لا سيما في ظل المتغيرات الدولية التي تسعى الدولة جاهدة لأن يكون المواطن الجزائري بمنأى من تأثيراتها السلبية، وهو ما يتطلب طاقما حكوميا أكثر انفتاحا وانسجاما وتحكما في الوقت والمال والمستقبل من أجل تجسيد المشاريع الكبرى خلال 2024”.

وأظهر الرئيس الجزائري مرارا امتعاضه بخصوص طريقة التسيير، ووجه في فبراير/شباط الماضي انتقادات حادة للجهاز التنفيذي بسبب “عدم التطبيق على النحو المطلوب لقرارات أخرى تخص قطاعات النقل والإدارة والمالية والأشغال العمومية والرقمنة”.

وهي الانتقادات نفسها التي وجهها إلى الحكومة، الصيف الماضي، وقال في حوار مع الصحف المحلية بثه التلفزيون الحكومي: “أشعر أحيانا أن هناك جهودا ضائعة وعدم دراية بما هو موجود في الساحة من مشكلات وعدم تطبيق قرارات مجلس الوزراء”.

والمثير للاهتمام أيضا، تعيين بوعلام بوعلام، المستشار لدى رئيس الجمهورية المكلف بالشؤون القانونية والقضائية والعلاقات مع المؤسسات والتحقيقات والتأهيلات، مديرا لديوان رئاسة الجمهورية بالنيابة، ويعتبر هذا الأخير واحدا من رجال ثقة الرئيس تبون الذين أسندت لهم مهام الاستشارة منذ وصوله إلى سدة الحكم في نهاية 2019.

وتوقع الدكتور عمار سيغة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن “التغيير الحكومي تفرضه إكراهات تتعلق بمحدودية الإنجاز بالنسبة لبعض القطاعات التي يبدو أنها لم تثبت قدرتها على تجسيد وعود الرئيس، ومن بينها تحسين القدرة الشرائية للجزائريين وكسب رهان السيطرة على الأسعار والقضاء على المضاربة والاحتكار وضبط تموين السوق بالمواد ذات الاستهلاك الواسع”.
وتضاف هذه التغييرات لتعديلات سابقة أقرها الرئيس في الأشهر الأخيرة، فأعاد تنظيم مصالح الرئاسة بتعيين مستشارين أسندت لهم مهام المتابعة اليومية والمشاركة أيضا في تنفيذ برنامج وتوجيهات وقرارات الرئيس، كما أعاد تشكيل فريقه الرئاسي واستبعد خمسة من مستشاريه.

ومن التغييرات الأخرى التي عصفت بالساحة السياسية في الجزائر، انتخاب شخصية مغمورة وغير معروفة إطلاقا لقيادة الحزب المركزي للسلطة، في خطوة تهدف إلى تهيئة التشكيلة السياسية للاستحقاق الرئاسي المقرر في الثلث الأخير من العام القادم.
وشكلت مخرجات المؤتمر الحادي عشر لجبهة التحرير الوطني، الذي انعقد تحت شعار “حزب يتجدد ولا يتبدد”، مفاجأة للوسط السياسي والإعلامي لكون الأمين العام الجديد الذي فاز بقيادة الحزب خلفا لأبي الفضل بعجي، غير معروف في الوسط السياسي ولم يسبق له الظهور إعلاميا، فهو واحد من قيادات الصف الخلفي.

 

وبعد ثلاثة أيام كاملة من النقاشات السياسية والتنظيمية، انتخب المؤتمر العام للحزب عبدالكريم بن مبارك أمينا عاما للجبهة، خلفا لأبي الفضل بعجي، وتعهد هذا الأخير بأنه “سيستمر في خط دعم الحزب الكامل للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وأيضا القيادة السياسية للبلاد، لا سيما في الظروف الحالية التي تتطلب لم الشمل وإشراك جميع الطاقات والكوادر”.
وفي أول تصريح صحافي له، أظهر الرجل الأول في جبهة التحرير الجزائرية، دعمه للسلطة القائمة بقيادة الرئيس تبون، وقال إنه “سيتمسك بسياسة الدعم الكامل للرئيس والوقوف خلف القيادة السياسية للبلاد، بالأخص في الظروف الحالية التي تتطلب لم الشمل أكثر من أي وقت مضى بإشراك جميع الطاقات والكوادر، وباجتثاث تركة الحقبة السابقة، وبالأخص المحسوبة على حقبة الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة”.

محطة رئاسية

ولا يستبعد متتبعون للمشهد السياسي في البلاد، أن يكون المؤتمر محطة للشروع في تجهيز الحزب للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل، خاصة وأنه لا زال يحوز قاعدة شعبية مهمة لا سيما في المناطق الداخلية، والتي يمكن الاستناد إليها ومنع سيناريو تشتتها كما حصل في الانتخابات التي جرى تنظيمها في 12 ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث دعم جزء من قاعدة الحزب مرشحين منافسين للرئيس الحالي، على غرار عز الدين ميهوبي المرشح السابق للرئاسيات الجزائرية.
ومع اقتراب عام 2024، يعود سؤال الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ليطرح نفسه بقوة في الساحة السياسية، وهو السؤال الذي سبق وأن طرح عليه من طرف جريدة “لوبينيون” الفرنسية في يوليو/تموز 2020، ورد قائلا بلغة واضحة وصريحة: “من حيث المبدأ، تم انتخابي لفترة واحدة، وبحلول نهاية هذه العهدة، يعتريني أمل في أن تكون المشاكل الاجتماعية والاقتصادية قد تمت معالجتها ولو جزئيا، ويجب أن تكون هناك شروط أخرى بالنسبة لي للتفكير في ترشح جديد”.