لندن- أعلنت هيئة الانتخابات في إيران يوم العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني انتهاء النظر في أوراق مقدمي طلبات الترشح في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها مطلع شهر مارس/آذار 2024. وانعكست قضية إقصاء عدد كبير من مقدمي طلبات الترشح بشكل واسع في الصحافة الإيرانية
ونشرت جريدة “أرمان ملي” تقريرا مفصلا في عددها الصادر يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني بعنوان “هيا بنا نحو برلمان خالص بامتياز”، بقلم حميد شجاعي. وجاء في التقرير أن “الموجة الواسعة من الإقصاءات من سباق الانتخابات البرلمانية والتي طالت شخصيات بارزة، أثارت ردودا واسعة. في الوقت الذي كان كل المسؤولين والنشطاء السياسيين ونواب البرلمان يؤكدون خلال الأشهر الماضية على أهمية الانتخابات البرلمانية القادمة (انتخابات نواب الدورة الثانية عشرة لمجلس الشورى الإسلامي) بصفتها أهم استحقاق سياسي خلال العام الإيراني الجاري ويطالبون بمشاركة كافة التيارات السياسية بهدف تحقيق نسبة مشاركة جماهيرية عالية في الانتخابات، غير أن هذه التصريحات تبددت؛ إذ تبين أن هناك فئة لا يهمها حجم المشاركة الشعبية والحزبية في الانتخابات بل تسعى إلى تحقيق أهدافها الفئوية… وهو ما حدث بالضبط في الانتخابات البرلمانية السابقة، غير أن هناك اختلافا واحدا وهو أن المرشحين للانتخابات السابقة رفضت أهليتهم من قبل مجلس صيانة الدستور. لكننا نلاحظ في الوقت الحاضر أن حملة الإقصاءات بدأت في المراحل المبكرة من عملية النظر في أوراق المرشحين، وبالتالي مُنع كثير من مقدمي طلبات الترشح في المرحلة الأولى قبل أن تصل الطلبات إلى مجلس صيانة الدستور… تأتي هذه التدابير خلافا لأجواء التفاؤل التي كانت تشير إلى أن السلطة الحاكمة تتجه إلى الانفتاح قليلا بهدف تمكين كل التيارات السياسية من المشاركة في الانتخابات… لقد قامت الهيئات التنفيذية بإقصاء شخصيات بارزة وغير بارزة كثيرة، منها نواب في البرلمان الحالي المسمى البرلمان الثوري، مما يشير إلى أن هناك إرادة لا ترغب في وجود ولو نائب واحد منتقد ومعارض للحكومة في البرلمان المقبل، حيث يجب على كل النواب دعم مواقف الحكومة. لقد رُفضت أهلية مسعود بزشكيان وجلال محمود زاده وأحمد علي رضا بيكي والسيد ناصر موسوي لاركاني وأحمد رسولي نجاد وجليل رحيمي جهان آبادي وغلام رضا نوري قزلجه لخوض معركة الانتخابات البرلمانية القادمة. كل هؤلاء النواب هم من معارضي الحكومة، حيث يأتي رفض أهليتهم في الواقع بسبب معارضتهم للحكومة. وبالأحرى أن الحكومة تريد برلمانا مطيعا لها… والسؤال هنا: ألم يكن يجدر بالجهات المعنية أن تتبنى سياسة شفافة وتعلنها صراحة بأنه يحق لفئة خاصة من تيار سياسي معين الترشح للانتخابات وسيتم إقصاء ما تبقى من مقدمي طلبات الترشح؟ حينها كانت تنتفي الحاجة لتسجيل الطلبات. وهذا ما كنا نحذر بشأنه خلال الأشهر السابقة ألا وهو أن تيار الصمود (أشد التيارات المحافظة يمينية) يسعى من خلال بسط نفوذه في الهيئات التنفيذية إلى تنفيذ أهدافه ومخططاته حتى قبل أن تصل طلبات الترشح للانتخابات إلى طاولة مجلس صيانة الدستور”.
وأشار التقرير إلى أن “توقعات (علي) لاريجاني (رئيس البرلمان الأسبق لثلاث دورات متتالية والمستشار الحالي للمرشد وعضو مجلس تشخيص مصلحة النظام) كانت في محلها، حيث اعتبر لاريجاني السياسي المخضرم خلال مقابلة في العام الحالي أن هناك “تيارا يسعى للتصفية ويتاجر بالثورة”… الأحداث الجارية تشير إلى أن لاريجاني كان دقيقا في توصيفه، خاصة وأننا نلاحظ أن تيار الصمود الذي يسعى لإقصاء من يعارضه يصر على رفض أهلية الشخصيات الإصلاحية والمعتدلة وحتى المحافظة المعتدلة”.
وأشارت صحيفة “سازندكي” المحسوبة على توجه الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، في تقرير لها بعنوان “الانتخابات القادمة في طريق التصفية والإقصاء” في عددها الصادر 11 نوفمبر/تشرين الثاني إلى أنه “لم تنطلق الحملات الانتخابية بعد، غير أن عمليات الإقصاء بدأت وكان سيف الهيئات التنفيذية أكثر حدة من مجلس صيانة الدستور على رقاب المنتقدين والمعارضين للحكومة ولم يسلم المستقلون أيضا من الإقصاء… فيما قال وزير الداخلية إن الانتخابات ستكون بمشاركة عالية وبمنافسة شديدة غير أنه تم إقصاء ثمانية نواب برلمانيين حاليا عن المنافسة الانتخابية القادمة. وكان إقصاء مقدمي طلبات الترشح للانتخابات في المدن، وكلهم من الإصلاحيين والمستقلين، أمرا لافتا. هذا المشهد يأخذنا لسؤال أساسي وهو: كيف تريد حكومة إبراهيم رئيسي ووزارة داخليته التي تمسك بسيف رفض أهلية مقدمي طلبات الترشح تنفيذ تصريحات المرشد بشأن التأكد من الحد الأقصى للمشاركة الجماهيرية في الانتخابات؟ وقال المرشد في وقت سابق من هذا العام إن الانتخابات تمثل رمزا للقوة الوطنية وإذا لم تجر انتخابات سليمة فذلك يدل على ضعف البلاد والشعب والمسؤولين… وإذا فقدنا القوة فستزداد ضغوط الأعداء… يجب أن نكون أقوياء… الانتخابات إحدى الوسائل المهمة للقوة”…
وأضاف الكاتب: “إن هذه السياسة التي انطلقت من خلال إقصاء كثير من الشخصيات والنواب المستقلين والمعارضين للحكومة تطرح هذا السؤال: هل الانتخابات البرلمانية القادمة ذاهبة باتجاه الحد الأقصى من التفرد بالسلطة؟ وهل الحكومة ووزارة الداخلية تتجاهلان تصريحات المرشد؟”.
وتابع: “يجب أن ننتظر قليلا لنتمكن من تقييم الأوضاع بشكل أكثر دقة ولكن يمكن القول إن التيار المتشدد رسم خيوط هذه الانتخابات في مخيلته وضميره دون أن يكون للإصلاحيين والقوى المستقلة أي حضور فيها”.
الاستمرار في هذا النهج الإقصائي يؤدي إلى القضاء على حالة التفاؤل والأمل في المجتمع… يجب التذكير بأن المسؤولين خلال الأحداث التي جرت (الحركة الاحتجاجية بعد وفاة مهسا أميني) أعلنوا مرارا أنه يمكن التعبير عن الاحتجاج بالطرق القانونية وليس في الشارع
وقال التقرير: “يقول الرئيس التنفيذي لمجلس وحدة الأصوليين ووزير الخارجية الأسبق منوشهر متقي إنه إذا لم يخض الإصلاحيون المنافسة الانتخابية فستكون المنافسة مقتصرة على المحافظين، مما يؤدي إلى زيادة المشاركة الشعبية في الانتخابات… إذا كانت المشاركة الشعبية في الانتخابات السابقة دون 50 في المئة، فالسبب يعود إلى أداء الحكومة السابقة، حيث إن حجم الرضا الجماهيري على الحكومة الحالية يؤدي إلى المشاركة في الانتخابات…”. ولكن هذه المنافسة التي يتحدث عنها منوشهر متقي في الحقيقة ليست إلا منافسة صورية، لأن المتشددين حولوا الملعب إلى قسمين اثنين ويتحكمون في كافة أجزائه. ولكن هل ستكون المشاركة الجماهيرية واسعة؟ إن نتائج الانتخابات البرلمانية في 2020 والانتخابات الرئاسية في 2021 أظهرت أن الناخبين الإيرانيين لن يدخلوا في هذه اللعبة السياسية للتيار المحافظ والمتشدد، بل إنهم سيديرون ظهورهم إلى الانتخابات. ولكن هل عدم الإقبال الجماهيري على الانتخابات يهم المتشددين والحكومة؟ لم يتحدث رئيس الجمهورية حتى الآن عن ضرورة الوصول إلى الحد الأقصى من المشاركة الجماهيرية في الانتخابات… ويرى كثير من المراقبين أن ارتفاع مشاركة الجماهير في الانتخابات سيؤدى إلى إضعاف القوى الداعمة لرئيس الجمهورية والتيار المتشدد… قد لا يهتم رئيس الجمهورية الذي وصل إلى سدة الرئاسة في انتخابات شهدت أدنى نسبة من المشاركة الشعبية فيها منذ قيام الثورة بالوصول إلى الحد الأقصى من المشاركة الجماهيرية في الانتخابات القادمة، ولكن يجب القول إن نسبة المشاركة العالية في الانتخابات خاصة في ظل الظروف الراهنة تؤدي إلى إضفاء بعض الشرعية والثقة للحكومة”.
واتهم سجاد سالك، رئيس المكتب السياسي لحزب “نداي إيرانيان” (نداء الإيرانيين) الإصلاحي في حوار مع وكالة “إيلنا” العمالية للأنباء في 12 نوفمبر/تشرين الثاني، الحكومة بأنها “تشن عملية انتقامية ضد منتقديها… وتحاول هندسة الانتخابات… الاستمرار في هذا النهج الإقصائي يؤدي إلى القضاء على حالة التفاؤل والأمل في المجتمع… يجب التذكير بأن المسؤولين خلال الأحداث التي جرت (الحركة الاحتجاجية بعد وفاة مهسا أميني) أعلنوا مرارا أنه يمكن التعبير عن الاحتجاج بالطرق القانونية وليس في الشارع… وها هم يرسلون إشارات سلبية إلى المجتمع قبيل الانتخابات من خلال رفض كثير من المرشحين ألا وهي إغلاق طريق الإصلاحات بشكل سلمي ولا يمكن لأية جهة سياسية منتقدة ومعارضة المشاركة في الحياة السياسية الرسمية… إن إقصاء القوى التي تطالب بالتغيير يؤدي إلى أن يتخذ النشاط السياسي مسارات غير علنية وغير رسمية… نحذر بأن الإقصاء والطرد بحق كثير من النواب المنتقدين التابعين لتيارات فكرية مختلفة سيجعل الطبقة الوسطى دون أي ممثل شرعي في البرلمان والحياة السياسية الرسمية وهذا المجتمع الذي لا يجد أحدا يمثله في الدوائر الرسمية سيلجأ إلى أساليب أخرى للمطالبة بحقوقه”.
الاتهامات الموجهة للهيئات التنفيذية من قبل الإصلاحيين لها أهداف سياسية… وإذا كانت السلطة تتجه لصوت واحد في كل أركانها فلماذا يهتم الإصلاحيون برفض أهلية بعض المرشحين إذن؟ يبدو أن الإصلاحيين يسعون إلى الضغط على السلطة والعودة إلى المشاركة في الحياة السياسية
واتهمت وكالة “إيرنا” للأنباء الإصلاحيين بمحاولة تقديم صورة عن إيران وكأنها في أزمة وذلك من خلال التركيز على رفض أهلية عدد من مقدمي طلبات الترشح للانتخابات، وتساءلت عن الأهداف التي يريد الإصلاحيون الوصول إليها من خلال سياساتهم الثابتة وهي تقديم صورة عن إيران وكأنها في أزمة.
وقالت الوكالة: “إن التيارات الشمولية تستخدم الظروف المتأججة للوصول إلى مصالحها الضيقة… يستخدم الإصلاحيون رفض أهلية بعض مقدمي طلبات الترشح للانتخابات كذريعة لكيل التهم للحكومة بتصفية منتقديها… لقد شن الإصلاحيون خلال الأيام الأخيرة هجمة حادة على الهيئات التنفيذية محاولين الترويج للفكرة التي ترى أن الجمهورية في النظام الإيراني في خطر بسبب الحكومة… هذا في الوقت الذي لا تخضع فيه أكثرية الهيئات التنفيذية لإشراف الحكومة… وعدم تأييد المرشحين في هذه المرحلة لا يعني أنه تم إقصاؤهم نهائيا، حيث يحق لهؤلاء أن يقدموا شكاواهم إلى الهيئات المشرفة التي تخضع بدورها لإدارة مجلس صيانة الدستور… وبالتالي فإن الاتهامات الموجهة للهيئات التنفيذية من قبل الإصلاحيين لها أهداف سياسية… وإذا كانت السلطة تتجه لصوت واحد في كل أركانها فلماذا يهتم الإصلاحيون برفض أهلية بعض المرشحين إذن؟ يبدو أن الإصلاحيين يسعون إلى الضغط على السلطة والعودة إلى المشاركة في الحياة السياسية، ولكن مشكلة الإصلاحيين هي أنهم لا يجيدون العمل السياسي في بيئة هادئة بل في بيئة متوترة”.