منذ طفولتي الأولى، ومن مشاهد قاسية، كما يصفها الإعلام حالياً، تسرب إلى داخلي انكسار عميق . حاولت جاهداً ترميمه، لكن اتضح فيما بعد أنه غير قابل للإصلاح، وهكذا أصبحت المنكسر الأول في بلدتي الأولى صبوره. …….لم يعلن أحد مسؤوليته عن هذا الإنكسار الذي حدث، ولم تجرى التحريات اللازمة وهكذا قيدت القضية ضد مجهول. ….وفي زياراتي لمنازل الأصحاب والمعارف، وجدت أنه، في أغلبها يوجد شاب أو صبية بعد رد التحية يغيبان في نفق الصمت وينزويان منكفئان عند تخوم الجلسة، اوخلف المدفأه اذا كان الوقت شتاءً……هذا الشاب أو الصبية أو المرأه كانت تتلاقى عيوننا خلسة بحزن شديد، وعندما اودعهم واغادر بمفردي اكتشف لاحقاً، انهم بقوا معي، ولازموني إلى منزلي وسريري، ربما لأنهم منكسرين مثلي. ….وفي كل زيارة لمنزل آخر أكتشف وجود محطمين جدد، وأيضا يرافقونني خلسة حتى شكلنا غابه شاسعة. تعرفنا على اقراننا في القرى المجاوره ومن ثم في المدن الصغيرة والكبيرة، وهكذا اضحينا أكبر شبكة منكسرين في العالم، …..ارتبطنا بممرات هوائية وأنفاق سرية لكي نعرف إلى أي درجة وصل انكسارنا، وكانت أيضا أكبر شبكة أنفاق في العالم. ….لاحقا إنضم إلينا كل متضرري الحياة والمضطهدين وفاقدي الأمل وهم في طريقهم إلى الانكسار الأبدي. وهنا شكلنا اتحاد المضطهدين والمنكسرين، وهو اتحاد رمزي يوصف غربتنا الغائرة ونزيفنا الداخلي و حالتنا الروحية لا أكثر . ……من صفات المنكسرين انهم يحبون الصمت ويتركون الكلام للأخرين. ……من صفات المنكسرين أنهم يعملون بعشق ويتركون العبث للأخرين. …..ومن صفاتهم أنهم يعشقون ترميم العالم ويتركون قبح التخريب للأخرين. ….ومن صفاتهم أنهم يحبون الله كثيراً والله يعمق انكسارهم أكثر. ….ومن صفاتهم الانتحار بالصمت لأن الأخرين قرروا الانتحار بكثرة الكلام. …..ومن أهم صفات المنكسرين انهم يعرفون جيداً من هو المسؤول الأول عن انكسارهم، ومن هو المسؤول الثاني، ومن هو المسؤول الثالث، …….والقضية ليست كما قيدت ضد مجهول، بل هي ضد معلوم….ومعلوم جيداً.