لم تفاجأ الأوساط السياسية في إسرائيل بإقالة بنيامين نتنياهو وزير دفاعه يوآف غالانت، فالأمر كان متوقعاً منذ فترة طويلة، وإذا كان الرأي الغالب أن التغيير الحكومي يعني الذهاب نحو مزيد من التشدد والتصعيد في الحرب على غزة ولبنان، فإنّ تأثيره سيكون كبيراً أيضاً على مسائل عدة أبرزها صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين مع “حماس” والرد الإيراني المتوقع والرد عليه وإدارة الحرب عموماً.
ورأى محللون عسكريون في القنوات العبرية أنّ الإقالة هي خطوة نحو استمرار الحرب التي يبدو أنّ لا نهاية لها، وأنّ لها علاقة مباشرة بإقرار قانون التهرّب وقانون التجنيد لإعفاء اليهود المتشددين الحريديم من الخدمة العسكرية، إضافة إلى الاستمرار في خطة الإصلاح القضائي أو ما يعرف إسرائيلياً بالانقلاب القضائي.
تهديد للأمن القومي
واعتبر قادة المعارضة الإسرائيلية أنّ الإقالة تشكّل تهديداً للأمن القومي، وطالب زعيمها يائير لابيد وحزب “يوجد مستقبل” المستشارة القضائية إعلان نتنياهو “عاجزاً عن أداء مهماته”، فيما قال زعيم حزب “المعسكر الوطني” بيني غانتس إنّ “القرار تهاون أمني كامل”، وأوضح يائير غولان من ائتلاف حزبي “العمل” و”ميرتس” (الديموقراطيين) أن نتنياهو يضرّ بشكل متعمّد بالجيش وأمن الدولة في وقت الحرب، وأنّ التغيير يحدث فقط في حال تمّ شلّ مرافق الدولة.
وكان رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان، ردّ على الإقالة بوصف إسرائيل بأنّها “جمهورية موز”، وقال: “بدلاً من الاهتمام أولاً بأمن الدولة ووضع مصلحة المواطنين والجنود في المقدمة، قرر رئيس الوزراء إقالة وزير الدفاع وبدء جولة تعيينات جديدة أثناء القتال، كل ذلك لتلبية احتياجات سياسية مخزية”، مضيفاً أنّه “إذا كان بالإمكان استبدال وزير الدفاع في منتصف القتال، فمن الممكن أيضاً استبدال رئيس الوزراء الذي فشل في مهمته وتخلّى عن أمن الدولة، ومن المؤكد أنه يجب تشكيل لجنة تحقيق رسمية”.
الصحافي في موقع “واللاه نيوز” العبري باراك رافيد لفت إلى أن قرار إقالة غالانت “ستعقبه تداعيات كبيرة وخطيرة على الحرب وإعادة الأسرى والتجنيد، وعلى بقاء الحكومة ودور الجيش، وعلى العلاقات مع الولايات المتحدة”.
واعتبر رافيد أن “خطوة نتنياهو وسط حرب متعددة الجبهات تأتي بدافع اعتبارات سياسية داخلية بشكل أساسي، والحاجة لتمرير قوانين تفيد الطلاب المتدينين المتشددين الذين لا يخدمون في الجيش، وهو ما يعارضه غالانت، بينما تهدد الأحزاب المتشددة في الائتلاف بإسقاط الحكومة إذا لم يتم تمرير القوانين خلال الأيام المقبلة”.
أما “القناة 13” فاعتبرت أنّ إقالة غالانت “تأتي لحرف الأنظار عن قضايا السرقة والتسريبات الأمنية، واستغلالاً للانتخابات الأميركية… لديه الآن غالبية مطلقة في الكنيست، من الواضح أنها رسالة قوية إلى رئيسي هيئة الأركان وجهاز الشاباك”.
مؤامرة سياسية
ورأى المحلّل العسكري في صحيفة “إسرائيل اليوم” يوآف ليمور أنّ “إسرائيل يقودها رئيس وزراء يشكّل خطراً على أمن البلاد”، مضيفاً أنّ “إقالة وزير الدفاع في خضم الحرب حدث غير مسبوق، وهذا لا يحدث بسبب دوافع مهنية، بل من مؤامرة سياسية، هو صفعة مدوية على وجه كل من دفع ثمن الحرب الرهيبة، ولكل أولئك الذين يخدمون في الجيش ويقاتلون الآن باتوا يعرفون الآن أكثر من أي وقت مضى أنّ أمن البلاد ليس من أولويات من يرسلهم إلى ساحات القتال”.
وكتب ليمور: “كما هو دائماً، عندما يطلب من بنيامين نتنياهو الاختيار بين مصلحة الدولة ومصلحته الشخصية فهو يختار نفسه، هناك خط مباشر يربط بين إقالة غالانت وإطلاق سراح أكثر من 100 أسير ومحتجز لدى حركة حماس، هذا الخط يربط نقاطاً أخرى: استمرار تملّص نتنياهو من تحمّل المسؤولية عن فشل 7 أكتوبر، والهجوم السام الموقوت الذي يشنه وسط بيئته وأبواقه ضد قادة المنظومة الأمنية وممثلي السلطة القضائية”.
وخلص ليمور إلى أنّه في نظر نتنياهو “هؤلاء أعداء خطرون. بعد غالانت سيأتي دور هيرتسي هاليفي ورونين بار والمستشارة القضائية للحكومة غالي بيهارف ميارا، الذين يقفون في طريق نتنياهو نحو الحكم المنفرد، فالشخص الذي رأى نفسه ونستون تشرشل المعاصر، تبيّن الآن أنّه جوزيف ستالين، الذي كان يقطع رؤوس القادة الكبار بشكل منهجي”.
مفاجأة التوقيت
الخبير في الشأن الإسرائيلي عادل شديد، قال لـ”النهار” إنّ القرار لم يكن مفاجئاً نهائياً، بل إنّ “المفاجأة كانت في التوقيت، إذ استغل نتنياهو انشغال الأميركيين بالانتخابات، والمسألة ليست كما يدعي عدم انسجام بين الطرفين، لكنها جزء من مشروع يسعى وشركاؤه في الائتلاف إلى تنفيذه، وهو نقل إسرائيل من شكلها القديم دولة يهودية ديموقراطية إلى دولة يهودية دينية شريعاتية”.
ومن أجل حسم هذا الموضوع لا بدّ من إزاحة العقبات التي من الممكن أن تعترض هذا المشروع، وجزء منها هو وزير الدفاع والجيش الإسرائيلي والأمن الذي تحالف مع النخبة العسكرية ضد الحكومة ومشاريعها، وبالتالي “لا يمكن إنجاح هذا المشروع من دون إضعاف الجيش، ولا يمكن إضعاف الجيش من دون تركه بلا وزير هو أهم داعم له داخل الحكومة”، أضاف شديد.
ورأى أنّ نتنياهو “أصبح اليوم قادراً على التحكم بالجيش أكثر من أي وقت مضى، بخاصة عندما يتم تعيين وزير دفاع مثل يسرائيل كاتس عديم الخبرة العسكرية، كما أن خلفيته الأمنية معدومة تماماً، و لا يعرف أركان القيادة العسكرية. شخص كهذا سيسهل معه على نتنياهو إدارة الوزارة و أمور الجيش بشكل شخصي، وأكثر ما يعني نتنياهو في كل هذا أن الوزير الجديد لن يقول له لا، ومن خلال ضعفه سيتم إحداث تغيير لرأس الهرم العسكري وصولاً إلى قادة الأجهزة الأمنية من شاباك وموساد وهذا هو جوهر مشروع نتنياهو وشركائه، والدليل أنّ أوّل المرحّبين بقرار الإقالة كان وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير”.