جرعة دعم كبيرة تلقّاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فوزه في السباق إلى البيت الأبيض. وإذ لا تُبدي إسرائيل خشيةً من وصول أيّ إدارة أميركية معارضة لها، إلّا أنّ نتنياهو يرتاح أكثر لترامب الداعم بشكل مطلق لسياساته، خصوصاً في ما يتعلّق بإيران.
تلقّت الجمهورية الإسلامية خبر فوز ترامب وقالت إنّها “ليست قلقة كثيراً”، لكنّها لم تكن قادرة على إخفاء خوفها من تلاقي تطرّف ترامب ونتنياهو تجاهها وممارساتهما “غير القابلة للتوقّع”، ومعالم هذه الخشية ظهرت حينما قال نائب قائد الحرس الثوري الإيراني علي فدوي إنّ طهران لا تستبعد توجيه أميركا وإسرائيل “ضربة استباقيّة” لمنع الردّ الإيراني على إسرائيل.
وبدأت إيران تعدّ عدّة مرحلة جديدة من الحرب مع إسرائيل قد تكون أكثر حدّة، كانت أولى مؤشراتها إقالة نتنياهو لوزير دفاعه يوآف غالانت الذي كان يُعدّ “رجل أميركا في إسرائيل”، وتعيين وزير الخارجية السابق يسرئيل كاتس الأكثر تطرّفاً خلفاً له، وقد تكون أبرز ملامحها وصول ترامب إلى البيت الأبيض ومساعدة نتنياهو في “إنجاز المهمّة وتحقيق الأهداف” ضدّ إيران وجماعاتها.
لا يحبّذ ترامب سياسة “دعم الحلفاء لمواجهة الخصوم” التي كان ينتهجها الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ يرفض تمويل حرب أوكرانيا لإضعاف روسيا، ويرغب في إنهاء هذه الحرب ووقف دعمها، لكنّ الصراع الإسرائيلي – الإيراني الاستثناء الذي يؤكّد القاعدة، فمن غير المستبعد أن يُطلق ترامب يد نتنياهو أكثر ضدّ إيران لإخضاعها وإعادتها إلى طاولة المفاوضات النوويّة.
يرى نتنياهو فرصة لم تسنح منذ عقود لضرب إيران وإضعاف محورها، وتغيير معادلات الردع، ومن المفترض أن يستغلّ وجود ترامب في البيت الأبيض لحشد دعم سياسي وعسكري لهدفه، وفي هذا السياق، يقول علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إنّ إسرائيل “ستشعر بقدر أقلّ من ضبط النفس” خلال عهد ترامب وستتاح لها “فرصة ذهبية لتغيير توازن القوى في الشرق الأوسط مرة واحدة وإلى الأبد”.
في عهده السابق، انتهج ترامب سياسة الضغط القصوى على إيران، ومن المرتقب أن يعود إليها في عهده الحالي لدفع طهران إلى اتفاق نووي جديد بشروط أميركية، ولحصر نفوذ طهران في المنطقة عبر إضعاف مجموعاتها. وبرأي فايز، فإنّ هذه السياسة “ستفتح الباب أمام إسرائيل لمزيد من الضغط على إيران عسكرياً”، وفق ما يقول لـ”النهار”.
أطلق ترامب وعوداً كثيرة لإنهاء الحرب في الشرق الأوسط، يضعها خبراء في إطار “الدعاية الانتخابية”، فيما الأنظار ستتجه إلى السياسة التي سيعتمدها تجاه إيران وإسرائيل، وفي هذا السياق، يُشير مدير معهد السياسات العامّة والشؤون الدولية في الجامعة الأميركية في بيروت جو باحوط إلى معطيات تُفيد بأنّ ترامب قال لنتنياهو “هذه الحرب ستنتهي، وموضوع الرهائن يجب أن يصل إلى خواتيم إيجابية”.
لكنّ ترامب أبلغ نتنياهو بأنّ عليه أن “يُنهي ما يجب أن يفعله” قبل 20 كانون الثاني (يناير)، تاريخ تنصيبه رئيساً للولايات المتّحدة، وفي هذا السياق، يقول باحوط إنّ نتنياهو “سبق له أن تمادى بالهوامش الأميركية في غزّة ولبنان، ومن المرتقب أن يقوم بالأمر نفسه مع إيران، وخصوصاً أنّه يعتقد أنّه يقوم بما لم تستطع أميركا فعله”، حيال الملفّ الإيراني.
في هذا السياق، تتراوح الخيارات وتتعدّد، من ضرب إيران وصولاً إلى مُحاولة الإطاحة بنظامها، وإذ يُشير باحوط إلى أنّ “محيطين بترامب ونتنياهو قد تراودهم فكرة تغيير النظام في إيران والتوجّه نحو شرق أوسط جديد، ويستسهلون فرض أمر واقع جديد بعد تغيير موازين القوى”، فإنّ فايز يرجّح “شن إيران المحاصرة هجوماً وتبدأ باستهداف القوات الأميركية في المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر”.
في المحصّلة، فإنّ المؤشرات تشي بأنّ التصعيد سيكون سيّد الموقف في المدى المنظور بين إسرائيل وإيران، فتل أبيب التي ترى فرصة ذهبية سنحت لها من 7 تشرين الأول (أكتوبر) لتغيير المعادلات، تعتبر أنّ وصول ترامب سيكون بمثابة فرصة جديدة لفرض أمر واقع وتنفيذ مشاريع استراتيجيّة على رأسها إضعاف طهران وتغيير معادلات الردع في المنطقة.