ما زالت قضية إقالة محمد الحلبوسي بقرار المحكمة الاتحادية من رئاسة البرلمان الاتحادي، وهو سلطة التشريع والمراقبة الأولى في البلاد، وثالث سلطة حكومية إلى جانب سلطتي التنفيذ والقضاء؛ تثير المزيد من التكهنات والأسئلة حول مصيره اللاحق أولاً، وخاصة أنه أقيل على خلفية إدانته بالتزوير، وثانياً حول انعكاسات ذلك على مجمل العملية السياسية التي بُنيت بطريقة توافقية تحرص على إرضاء جميع المكونات السكانية، وضمنهم المكون السني العربي الذي يحظى الحلبوسي بنفوذ كبير فيه.
بيد أن معظم التحليلات والتعليقات حول هذه القضية تبدو غير واضحة بالنسبة للأسباب الحقيقية التي وقفت وراء إقالة الحلبوسي، أو أنها تسعى لتجاهلها.
ومع أن الحلبوسي ما زال يبدو صامداً من خلال قيادته لتحالف «تقدم» الذي يرأسه ويقود حملاته الدعائية تمهيداً لانتخابات ديسمبر (كانون الأول) المقبل المحلية، فإن عملية إقصائه كانت بمثابة «إعدام سياسي» بحسب معظم المراقبين، خاصة إذا أصرت الأطراف التي تقف وراء عملية الإقصاء على مقاضاته بتهمة التزوير التي أدين بها وتصل عقوبتها إلى السجن 15 عاماً بحسب القانون العراقي، لكن مصدراً رفيعاً داخل قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تحدث لـ«الشرق الأوسط» بإسهاب عن أربع قضايا أساسية وقفت وراء إطاحة الحلبوسي.
الإقليم السني
ويرى المصدر الذي اشترط عدم الإفصاح عن اسمه، أن قضية التزوير التي أدين بها الحلبوسي، وإلى حد ما تهمة تمويله لشركة علاقات غربية هدفها التطبيع مع إسرائيل، لم تكونا الأساس الذي استندت عليه عملية الإقالة: «انسَ هاتين القصتين»؛ فقد سبق أن انتهك الحلبوسي قراراً واضحاً من المحكمة الاتحادية بشأن عودة النائب باسم خشان في الدورة البرلمانية الماضية، ولم يحاسبه أحد، وكذلك رفض إعادة أكثر من 15 نائباً في هذه الدورة الحالية بعد أن كسبوا أحكاماً قضائية تتعلق بصحة عضويتهم بالبرلمان وفق نظام احتساب الأصوات.
ويعتقد المصدر أن الخشية من إنشاء إقليم سني في محافظة الأنبار أولاً، وامتداده بعد ذلك لبقية المحافظات ذات الأغلبية السكانية السنية، من بين أهم القضايا التي عجلت بنهاية الحلبوسي؛ ذلك أن القوى الشيعية تخشى من أن يتمكن الحلبوسي من اجتياح مقاعد محافظة الأنبار ويتمكن بعد ذلك من إعلان إقليمه الذي لا يتطلب سوى تصويت ثلث أعضاء مجلس المحافظة أو نسبة عُشر سكانها.
وبسؤال المصدر عن إمكانية تحقيق الحلبوسي ذلك حتى وهو خارج البرلمان، ذكر أن «نفوذ الحلبوسي يعتمد أساساً على سلطته في البرلمان، وإن فعل ذلك، فسيكون سيف تهم التزوير وغيرها مسلطاً على رقبته».
ويضيف أن شعار حملة تحالفه الانتخابي الموسوم بـ«نحن أمة» كان مستفزاً، وفيه إشارة واضحة إلى الأمة السنية التي ينشدها الحلبوسي وأثارت غضب الساسة الشيعة؛ لذلك عجلوا برحيله قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات المحلية.
إيران وفصائلها
كذلك، يرى المصدر، أن إيران والفصائل الموالية لها من بين أقوى الأسباب التي عجلت بإزاحة الحلبوسي، وذلك مرتبط بالخشية من إمكانية إعلان الإقليم السني بزعامته؛ لأنه يعني ضمناً أن إيران وفصائلها ستكون غير قادرة على التوسع والتمدد والتحرك بحرية في الامتداد الحدودي الشاسع مع سوريا في محافظة الأنبار، ولاحقاً ربما الحدود الممتدة إلى محافظة نينوى شمالاً، من هنا فإن إزاحة الحلبوسي ستعني المحافظة على الوجود المريح للفصائل الشيعية الموالية لطهران في الأنبار وبقية المحافظات، والشريط الحدودي مع سوريا.
أموال فاحشة وشراكات مريبة
وعن ثالث الأسباب والقضايا التي عجلت بنهاية حياة الحلبوسي (السياسية والأسطورية الخاطفة)، فيتعلق بثرائه الفاحش الذي اكتسبه من السلطة وعبر استثماراته المالية الكبيرة في معظم المشاريع الحكومية، وخاصة أنه هيمن على صندوق إعمار المحافظات المتضررة من «داعش» لسنوات طويلة، إلى جانب ما يُحكى عن شراكاته المالية الواسعة مع معظم أبناء وأقارب الساسة الشيعة، وهذا سلاح ذو حدين كما هو واضح، وبدلاً من أن تحميه عجّلت بنهايته، فثمة شعور داخل الأوساط الشيعية أن تغول هذه الشراكات وتناميها المطرد ربما سيمكن الحلبوسي في وقت لاحق من بسط نفوذه وهيمنته حتى على بعض القيادات الشيعية، وهذا ما لا يسمحون به.
تحريض خصومه السنّة
أما عن رابع القضايا والأسباب التي أطاحت بالحلبوسي، فيتحدث المصدر عن عمليات التحريض واسعة النطاق التي كان يقوم بها خصومه من السياسيين السنة المنزعجين من نفوذه المتنامي، وتكريس نفسه «زعيماً قوياً» للسنة العرب، وهذا ما يثير حساسيات فائقة داخل الفضاءين السياسي والعشائري في محافظة الأنبار خاصة؛ إذ تنظر تلك الاتجاهات إلى الحلبوسي بوصفه شاباً لا يستند إلى عشيرة تعادل في نفوذها بقية العشائر في المحافظة، كذلك لا يتمتع بالشعبية والنفوذ اللازم – عدا نفوذ المنصب والمال – ليكون مؤهلاً لتصدر مشهد الزعامة السنية.
ويضيف المصدر، أن خصومه السنة كانوا غالباً ما يعزفون على وتر طموح الإقليم السني الذي يتوتر منه الساسة الشيعة، ويقولون لهم إن الحلبوسي عازم على تحقيقه بمساعدة بعض دول الجوار الإقليمي.