نجح أوزغور أوزيل في إزاحة كمال كليتشدار أوغلو عن منصب رئاسة حزب الشعب الجمهوري مخيبا آمال الكثيرين من الذين راهنوا على استحالة اجتراح معجزة من هذا النوع. فهل سيكون بمقدوره وهو الذي هزم كليتشدار أوغلو في معركة حزبية طاحنة، أن يتحول إلى الفارس القادم على حصان أبيض ليحقق حلم حزبه وحلم أحزاب المعارضة في التوحد من جديد ومنحهما دفة القيادة في تركيا بعد أكثر من عقدين على التريث والانتظار ؟
مجهوده قد لا يكفي أمام الصورة المبعثرة للحزب وقوى المعارضة التركية، خصوصا وأنه يعرف أكثر من غيره حجم الصعوبات والعراقيل التي تنتظره حيال مهمة مستحيلة من هذا النوع.
أوزال المولود في مدينة مانيسا، عاش وسط بيئة أسرية علمانية أتاتوركية. برز في تعليمه الثانوي والجامعي لاحقا وهو يدرس الصيدلة في جامعة إيجه ليصبح خلال فترة زمنية قصيرة نقيب صيادلة إزمير المحسوبة على اليسار التركي، قبل أن يقود اتحاد نقابات الصيدلة في تركيا لسنوات.
دخل أوزال السياسة عام 2011 نائباً في البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري، ثم تدرج في مناصب حزبية عديدة إلى أن وصل لموقع نائب رئيس الكتلة النيابية للحزب في البرلمان، ليلفت انتباه كليتشدار أوغلو أكثر ويثق به إلى درجة اختياره ساعداً أيمن لعقد كامل.
أولى قراراته تشكيل حكومة ظل من قيادات الحزب تتعقب خطوات وأعمال وزراء أردوغان في الداخل والخارج عن كثب، الامتحان الحزبي الآخر سيكون بعد أسبوع، وهو يقترح التعديلات الجذرية الجديدة التي وعد بها لناحية تغيير النظام الداخلي للحزب.
أوزيل هو في الواجهة الحزبية اليوم وهو الذي يخلف كليتشدار أوغلو، لكن الذي يقود من خلف الستار قد يكون رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو أيضا. فهل هو مؤتمن على رئاسة الحزب بانتظار أن ينهي إمام أوغلو فترة رئاسته لبلدية إسطنبول ثم يقود الحزب مكانه؟ أم أنه سيواصل مهامه على رئاسة الحزب للسنوات المقبلة؟
مشكلة أوزيل إذاً هي ليست فقط مع كوادر الحزب ليقنعها بإطلاق يده في الأشهر المقبلة، بل مع المعارضة التركية نفسها التي تعيش حالة من التردد والارتباك بعد هزيمة أيار المنصرم وارتداداتها النفسية والبنيوية. المسألة أكبر وأعمق من الاستنجاد بالصيدلي أوزيل على طريقة “صيدلي يا صيدلي”.
سرّع أوزيل سياسيا وإعلاميا ربما من تحركاته ومواقفه المتشددة حيال حزب العدالة والتنمية، فمن الواضح تماما أنه يريد أن يكون في الساحات والميادين بمواجهة أردوغان قبل موعد الانتخابات المحلية. من المبكّر الحديث عن فرص أوزيل وحظوظه الحزبية والسياسية، لكن لحاقه بتحالف الجمهور وإعادة ترتيب صفوف المعارضة التركية قبل موعد الانتخابات المحلية في آذار سيكون بمثابة المهمة المستحيلة بالنسبة له.
فرص استرداد حزب العدالة والتنمية لمدينتي إسطنبول وأنقرة وتهديد حصون إزمير أقوى بكثير من فرص المعارضة في الاحتفاظ بهذه المدن.
دغدغت عملية التحول والتغيير في صفوف قيادة حزب الشعب مشاعر القواعد الحزبية لكنها لم تقنع أحدا من قيادات المعارضة عل اعتبار أن ما جرى قد يتحول إلى قوة دفع حزبي وشعبي باتجاه تنظيم الصفوف لمواجهة تحالف الجمهور. المعارضة ما زالت تنفخ في اللبن بعدما لسعها حليب حزب العدالة أكثر من مرة في العقدين الأخيرين.
يعرف أوزيل أنه يحتاج إلى قوة دفع حزبية وسياسية كبيرة في الداخل التركي، لكنه لا يملك حتى الآن أي مؤشر حقيقي مقنع للناخب باتجاه دعمه والرهان عليه، فهو يحتاج إلى اجتراح معجزة وطرح مقاربات مغايرة خلال الأسابيع القليلة المقبلة وقبل انطلاق الحملات الانتخابية في معركة البلديات، ورهانه على دعم حزب الشعوب الديمقراطية أو إعادة توحيد اليسار لن يكفيه، فكيف سيفعل ذلك ومع مَن؟
وكيف سيتمكن أوزيل وفريق عمله الجديد من إقناع الأكثرية التركية بدعم حزبه والوقوف إلى جانبه في عملية التغيير التي يتحدث عنها بعد انهيار الطاولة السداسية، ومعرفته باستحالة تسجيل حزبه تحت قيادته أي اختراق سياسي أو انتخابي في مواجهة أردوغان وتكتل الجمهور وسط الأجواء السياسية والحزبية القائمة؟
مشكلة أوزيل تبقى هي أنه كان أحد أعضاء فريق كليتشدار أوغلو لسنوات طويلة، ولم يجاهر بمعارضته لقراراته ومواقفه حتى الأمس القريب مما يعني أنه كان شريكا له في فشله.
انتخب أوزيل رئيسا لحزب الشعب الجمهوري تحت شعار التغيير بعد هزيمة كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، ولم يعد جناح التجديد وقيادات الحركة التصحيحية في الحزب يريد الانتظار أكثر من ذلك، لكن مشكلة أوزيل تبقى هي أنه كان أحد أعضاء فريق كليتشدار أوغلو لسنوات طويلة، ولم يجاهر بمعارضته لقراراته ومواقفه حتى الأمس القريب مما يعني أنه كان شريكا له في فشله.
(من خسر ومن ربح) نقاش مهم في صفوف حزب الشعب الجمهوري حتما، لكن الأهم هو كيف سيستعد أوزيل وفريق عمله الجديد لمواجهة أردوغان في الانتخابات المحلية التي لم يبق عليها سوى بضعة أشهر؟ الرئيس التركي يريد استرداد بلديتي أنقرة وإسطنبول من حزب الشعب وأن يأخذ بلدية إزمير اليسارية إن استطاع أيضا، فكيف سيستعد أوزيل وحزب الشعب للدفاع عن إدارة بلديات هذه المدن التركية الرئيسية الثلاث بمفرده وإذا ما بقيت أحزاب المعارضة على مواقفها الحالية وتمسكها بخوض الانتخابات بشكل مستقل؟
أكثر ما قد يستطيع أوزيل فعله هو أن يقول للناخب التركي أن المعركة الحقيقية ستبدأ بعد الخروج من استحقاق آذار المقبل وأن المواجهة ستكون بعد 5 سنوات مع أردوغان وحزبه.
أوزيل مطالب باجتراح المعجزات لإنقاذ نفسه ثم حزبه وبعد ذلك قوى المعارضة في تركيا، ويحتاج أولا إلى إقناع حزبه بما يقول ويريد لناحية التغيير والتحديث والتعديل الجذري في نظام الحزب وطريقة عمله وتقاسم شؤون الإدارة، ثم يحتاج ثانيا إلى إنهاء التكتلات وكثرة الأجنحة في صفوف الحزب، وبعدها يحتاج إلى خطة إعادة توحيد صفوف المعارضة وجمعها أمام طاولة جديدة مغايرة للطاولة التي صنعها كليتشدار أوغلو.
سيحاول قبل كل شيء إدخال تعديلات حقيقية على مؤسسات الحزب وطريقة عملها وإعادة ترتيب العلاقة بين القواعد والقيادات الحزبية، وهو من أجل ذلك يحتاج إلى إقناع المندوبين الحزبيين في المدن والأقضية بما يقول ويريد، ثم سيعمل بعد ذلك على سحب الكرة إلى منتصف الملعب بعدما رماها سلفه لسنوات طويلة في ساحة الآخرين داخل الحزب مرة وفي صفوف حلفائه في المعارضة مرة أخرى، ثم سيتحرك باتجاه صناعة استراتيجية حزبية تقنع بقية أحزاب المعارضة بدعمه للخروج من حالة التريث والانتظار التي مضى عليها أكثر من عقدين لصالح حزب العدالة والتنمية.
سأل أحد الأشخاص الذين نفد وقود سيارته رجلا مسنا صادفه في الطريق عن المسافة المتبقية حتى أقرب محطة بنزين فلم يرد، ثم كرر السؤال مرة ثانية وثالثة دون نتيجة، فوصل إلى قناعة أن المسن لا يسمع. بعد دقيقتين صرخ العجوز الذي كان يتريث ليعرف سرعة سير الرجل: سيدي سيرك على هذا النحو لن يوصلك قبل الفجر.
سير المعارضة التركية مع أوزيل على هذا النحو لن يوصلها أبدا.