دخان قذائف أطلقها “حزب الله” على مواقع حدودية اسرائيلية مقابل بلدة الضهيرة الحدودية (أ ف ب)
بدت بارزة إضاءة نواب تكتلات المعارضة اللبنانية على مبادرة السلام العربية، في نداء كانوا قد وجّهوه إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية قبيل انعقاد القمة العربية الإسلامية في المملكة العربية السعودية، أكّدت مضامينه رفض استمرار الحرب الإسرائيلية على غزّة وأهمية بلورة “العجلة السياسية” للحلّ استناداً إلى المبادرة العربية للسلام التي أطلقت في قمّة بيروت 2002 وتبنّت حلّ الدولتين وحتمية إنشاء دولة فلسطينية مستقلّة. ولم يُغفل النداء محاذير توسّع الحرب في اتجاه لبنان بسبب مصادرة قرار الدولة على أيدي قوة مسلّحة خارج نطاق الشرعية. وطلب نواب المعارضة خلال ندائهم المساعدة في تطبيق القرار 1701 مع الإشارة أيضاً إلى ضرورة تطبيق اتفاق الطائف.
وفيما شكّلت إعادة التذكير بمبادرة السلام التي كان اقترحها الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان ولياً للعهد خلال مؤتمر القمّة العربية في بيروت إحدى ركائز النداء البرلماني اللبناني، فإنّ مندرجات هذه المبادرة شملت أسساً مهمة، بدءاً من تأكيد ما أقرّه مؤتمر القمة العربي غير العادي في القاهرة في حزيران (يونيو) 1996 لناحية اعتبار السلام العادل والشامل خياراً استراتيجياً للدول العربية، على أن يتحقّق في ظل الشرعية الدولية مع التزام لإسرائيل في الصدد. ويأتي التعويل على المبادرة في المرحلة الراهنة التي نصّت أيضاً على تنفيذ مقرّرات مجلس الأمن التي عزّزها مؤتمر مدريد عام 1991 انطلاقاً من مبدأ الأرض مقابل السلام وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.
وتضمّنت “أعماق المبادرة” أيضاً طلب مجلس جامعة الدول العربية ضرورة إعادة إسرائيل النظر في سياساتها وتبنّيها السلام بمثابة خيار استراتيجي والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. وكذلك، التوصل إلى حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة بحسب حدود حزيران (يونيو) 1967 عاصمتها القدس الشرقية. وعندئذ، تعتبر الدول العربية النزاع العربي الإسرائيلي منتهياً وتنشئ علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني.
وإذا كان الاندلاع الناري خلال الأسابيع الماضية في خضمّ حرب غزّة أعاد الزخم للحديث عن حلّ الدولتين الذي شكّل ركيزة المبادرة، فإن التساؤلات التي تطرح تتركّز حول أين ومتى يصبح هناك أفقٌ لإعادة استنهاض المبادرة العربية للسلام؟ وأي ظروف من شأنها المساهمة والمساعدة في إعادة إحياء المبادرة؟
بالنسبة إلى قراءة أوساط خبراء في السياسات العامة لـ”النهار العربي”، فإن التأكيد على المبادرة العربية للسلام يبقى الإطار الأنسب لإنجاز حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية وفق مقاربتهم، لكن شرط اقتناع العقل الإسرائيلي بأن ينتهج مسار السلام وهذه مسألة غير متوفرة حتى اللحظة. أما في المعطى الثاني، فلا بدّ للدول من أن تؤكد على المبادرة العربية للسلام واعتبارها المدخل الأول والأساسي للتطبيع، إذ إن أي مسار لا يحلّ القضية الفلسطينية على قاعدة اتفاقية أوسلو ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية انطلاقاً من حلّ الدولتين وقيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية يبقى مبتوراً.
في المعطى الثالث الذي يؤكد عليه مؤيدو مبادرة السلام العربية، من الضروري بعد استعادة التوازن العربي ووضوح الرؤية الكاملة وانتهاج المسار الدبلوماسي بالشراكة مع عواصم القرار الدولية والأمم المتحدة، وفي توجُه واضح لجامعة الدول العربية يجب اجتثاث الخلل الذي أحدثته إيران في المنطقة، وتالياً اعتبار أنه يمكن التطبيع مع إيران في الخليج من خلال بوابة المملكة العربية السعودية، وأن ترك انفلاتاتها بميليشياتها في الشرق الأوسط من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن يُعتبر مسألة مرفوضة، والنفوذ الإيراني عملياً لا يتمدد بالمعنى الإيجابي بل يفكك مجتمعات الشرق الأوسط ولا يمكن تحييد دول الخليج عن الطموحات الإيرانية في اعتبارها مسألة وقت.
ولا يغفل مؤيدون للمبادرة التأكيد أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن مدعوّان إلى تلقّفها ووضعها كإطار عمل مشترك بين الدول الأعضاء، لكن ذلك يقتضي الضغط الفوري من أجل وقف الحرب والقتل في غزّة، واعتبار أن هناك من هو مسؤول عن رسم إطار دولي عربي مشترك. ويثقون باعتبار المملكة العربية السعودية مؤهلة في المجموعة العربية لقيادة هذا المسار بالتعاون مع مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، وكذلك بين الولايات المتحدة الأميركية معنيّة بالدفع باتجاه إنجاز حلّ نهائي للقضية الفلسطينية. وتضيف معطياتهم سمة أساسية متمثلة في أن إسبانيا تتولى التنسيق والتحرّك مع الفاتيكان، ويمكن بلورة مشهد جديد في المرحلة المقبلة على أن المعضلة تبقى في استمرار إسرائيل بالحرب.