تقترب الحرب الإسرائيلية الشرسة على غزة من شهرها الثاني، وتزداد أوضاع النازحين كارثية ضمن ظروف غير إنسانية. ومع هطول الأمطار الغزيرة بصورة مفاجئة، تعقدت ظروف معيشتهم، بخاصة الذين يعيشون في خيم أقيمت في ساحات مراكز الإيواء أو تحت أسوارها.
يضطر النازحون لجمع الورق وأكياس النايلون لإشعال النار لصناعة الخبز على (الصاج) بعد توقف المخابز عن العمل منذ أكثر من ثلاثة أسابيع. كما زادت الخشية من انتشار الأوبئة والأمراض في فصل الشتاء، إذ إن الظروف داخل مراكز الإيواء والمناطق المحيطة بها غير صحّية على الإطلاق، وبخاصة أثناء سقوط الامطار، إذ شاهدتُ رجلاً ونساءً يشعلون النار للخبز بجوار مجرى لمياه الأمطار التي اختلطت بمياه الصرف الصحي.
ما تقدّمه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) من مساعدات غذائية محدودٌ لا يسدّ جوع النازحين المكدّسين بأعداد تفوق ما تحتمله مراكز الإيواء. المساعدات التي تصل شحيحة ومحدودة، وحسب ما أعلن الناطق باسم معبر رفح، منذ بداية الحرب دخلت نحو 1200 شاحنة من الجانب المصري، وهذه الكمية كانت تدخل عادةً خلال يومين في زمن قبل الحرب، أما ما يتم توزيعه، فهو معلبات (علبتا لحمة أو فول أو تونة) لأسرة مكوّنة من ستة أفراد.
في اليوم الأربعين من الحرب، لم تتمكن أونروا من توزيع المساعدات (الطعام) للنازحين في مراكز الإيواء بسبب عدم تمكن سيارات التوزيع من العمل لنفاد الوقود، وكذلك في اليوم التالي أيضاً بسبب توقف شبكة الاتصالات الفلسطينية عن العمل لنفاد الوقود أيضاً في المولدات، بذلك أصبح القطاع معزولاً عن العالم الخارجي والداخلي، وهذه هي المرة الرابعة التي تتوقف فيها شبكة الاتصالات والإنترنت، قبلها فصلت إسرائيل الخدمة، ما عرقل عمل طواقم (أونروا)، وعطّل قدرتها على التواصل مع طواقمها.
مساء الجمعة 17/11، سمحت إسرائيل بإدخال 17 ألف ليتر وقود لتشغيل مولدات شركة الاتصالات، وبعد تزويد المولدات عادت شبكة الاتصالات للعمل في مدن جنوب قطاع غزة فقط، وبقيت مدينة غزة وشمال غزة مقطوعة عن العالم الخارجي ومن دون أي معلومات عما يجري من عمليات استهداف وقتل.
وافقت إسرائيل على إدخال كميات محددة من الوقود لا تزيد عن نحو 60 ليتراً للمؤسسات الدولية بصورة يوميّة، ما يعادل 4 في المئة من الكميات التي كان يتم إدخالها يومياً، أي 970 ألف ليتر، ما مجموعه 6.88 مليون ليتر أسبوعياً.
التجويع والتعطيش المتعمدان للمدنيين، والتدمير المتعمد للبنية التحتية المدنية، هي جرائم حرب، ويبدو من تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي يواف غالانت وغيره من المسؤولين، أن هذا الأسلوب الفظيع مستمرٌّ على رغم كل الضحايا والدمار والانتقادات.
تقترب الحرب الإسرائيلية الشرسة على غزة من شهرها الثاني، وتزداد أوضاع النازحين كارثية ضمن ظروف غير إنسانية.
الهدف المعلن لتلك السياسات الانتقامية هو القضاء على حركة حماس، لكن ما يحصل هو القضاء على الفلسطينيين، خصوصاً المدنيين والأطفال، فقد تجاوز عدد ضحايا الحرب الـ13 الفاً، أكثر من نصفهم أطفال.
منذ أيام، يردد المسؤولون الإسرائيليون العسكريون، أن قادة حماس هربوا الى جنوب قطاع غزة، بخاصة بعد الفشل في إثبات صحة الادعاءات التي استُخدمت ذريعة لاستهداف مستشفى الشفاء ومحاصرته واقتحامه. وبحسب ما يذكره المحللون العسكريون والسياسيون الإسرائيليون، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، وهي القضاء على مقدّرات حماس العسكرية، وإعادة المختطفين.
منذ بداية الأسبوع الماضي، تكثفت الهجمات الجوية في مدن جنوب القطاع ومخيماته، وسقط خلال الأسبوع الماضي عدد كبير من الضحايا في وسط القطاع وشرق خان يونس ورفح، حيث نثرت الطائرات الحربية الإسرائيلية منشورات فوق قرى شرق خان يونس لمغادرة السكان منازلهم الى منطقة غرب خان يونس.
في ظل القتل والدمار، ينتظر الناس بلهفة من خلال متابعتهم الأخبار، الإعلان عن صفقة محتملة بشأن المختطفين، تنتج منها هدنة أو وقف مؤقت لإطلاق النار، إذ
لم تعد هناك كلمات لوصف ما يجري من إمعان في تعميق الأزمة الانسانية، وهي حرب لا تقل خطورة عن القتل والتدمير، وغياب أي مقومات أو الحد الادنى من بقاء الناس على قيد الحياة. ما نعيشه لا يصدق من إبادة وتجويع وتعطيش للناس بشكل متعمد.
سياسة الحرب هذه تتزامن مع بعض الأصوات القليلة التي تنتقد سلوك حكومة نتانياهو، التي ترى أن إطالة أمد الحرب هي في الأساس انتقام، وقتل للوعي بحقيقة ما يحصل. أما الخلافات السياسية والمزايدات بين الأحزاب وبين نتانياهو وقادة الجيش المستمرين في القتل، فليس إلا انتقاماً لكرامتهم ومحاولة لإثبات أهميتهم وقدراتهم، قبل عزلهم لفشلهم في توقع حدوث عملية طوفان الأقصى. تنتشر أيضاً مطالب من المحللين العسكريين الإسرائيليين وغيرهم، تؤكد ضرورة الموافقة على صفقة حول المختطفين واتهام نتانياهو بعرقلتها.
تُطرح هذه الأسئلة قبل تعمق الجيش في جنوب قطاع غزة، إذ ينبغي على القيادة العسكرية الإسرائيليّة أن تسأل نفسها بصدق إلى أين تتجه، وما هي أهداف الحرب المحدثة؟ ما الذي يعتبر إنجازاً لهم؟ وما هي النافذة الزمنية الواقعية التي لدينا قبل أن يطوينا الوقت والواقع؟
القتال المستمر في الشتاء من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، وهو ما قد يؤدي إلى تفاقم الضغوط على إسرائيل. يأتي هذا في ظل استمرار الكارثة والإبادة.
لا أعرف كيف يستطيع سكان القطاع تدبّر أمرهم، وتحمّل أيام قاسية في ظل غياب أي مقومات للحياة، والانقطاع عن العالم الخارجي. خلال الأيام الماضية، ارتكبت إسرائيل عدداً من “المجازر” وسقط عدد كبير من الضحايا والمصابين بعيداً عن وسائل الإعلام، التي انشغلت بتغطية مطالب هدنة إنسانية قصيرة كي يتمكن سكان القطاع من الحصول على وجبة إضافية من الغذاء.