يحضر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب في فرنسا اليوم السبت حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام التاريخية بعد خمس سنوات من تعرضها لحريق، وهي أول رحلة خارجية له منذ انتخابه الشهر الماضي، ما يشكل إشارة لمدى سرعة طي قادة العالم لصفحة جو بايدن.
ومن المتوقع أن يخص الرئيس الفرنسي ايمانول ماكرون ضيفه الأميركي باستقبال حار في الاحتفال الذي سيحضره أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة.
ولم يكن خبر الرحلة مفاجئًا من بعض النواحي. فترامب يعشق المراسم والفخامة فيما يتعلق بالأماكن وخاصة التاريخية منها. لكنها أيضًا تحدث فصلا في العلاقة المشحونة مع الحلفاء الأوروبيين، ومع ماكرون على وجه الخصوص.
كما أن هذه الرحلة تحتوي على كل ما يحبه ويقدره الرئيس المنتخب، فرصة لاقتناص الأضواء، والتملق الذي سيحظى به كضيف شرف، والضجة التي ستحدثها المشاركة في مشهد فريد من نوعه من المرجح أن يجذب ملايين المشاهدين في جميع أنحاء العالم.
ويمثل حضور ترامب في باريس تناقضًا كبيرا مع الوداع المخزي الذي يشهده بايدن، بعد أن تعرّض لانتقادات عنيفة يوم الاثنين، حتى من داخل حزبه، بعد أن أصدر عفوًا عن ابنه هانتر، مقوضًا بذلك مبدأً أساسيًا من مبادئ ولايته – وهو أن الجميع سواسية أمام القانون.
ومن غير المتوقع أن يحضر بايدن إعادة الافتتاح، لكن جيل بايدن، السيدة الاميركية الأولى، ستكون هناك، بحسب ما نقلت “نيويورك تايمز” عن أحد الأشخاص المطلعين.
فوز ترامب معضلة… لزعماء العالم
وستسلط رحلة ترامب الضوء على المعضلة التي يواجهها كل زعيم عالمي، وهي كيفية التعامل مع رئيس أميركي جديد من المؤكد أنه سيكون أكثر عدوانية وتقلباً على الساحة العالمية مما كان عليه حتى في ولايته الأولى المضطربة، بحسب تقرير لشبكة “سي ان ان”.
ويرحب لرئيس المنتخب بعودته إلى دائرة الضوء الدولية بعد انتشار خبر دعوة ماكرون يوم الاثنين. وكتب ترامب على منصته على “تروث سوشيال”: “لقد قام الرئيس إيمانويل ماكرون بعمل رائع لضمان استعادة نوتردام لكامل مجدها، بل وأكثر من ذلك. سيكون يومًا مميزًا للغاية للجميع!”.
إلى ذلك، تشكل دعوة ماكرون أحدث خطوة في الصراع الذي لا ينتهي بين القوى الأوروبية لتكون باريس بمثابة القناة الأولى لواشنطن على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي. ولطالما سعى ماكرون إلى وضع فرنسا كقوة أوروبية مهيمنة، خاصة منذ تقاعد المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل.
وقد أثار مجيء ترامب الثاني شعوراً مماثلاً بالأزمة بين القوى الغربية التي تشعر بالقلق من أن يتخلى عن دعم أوكرانيا في مواجهة الغزو الروسي، وسط توقعات متزايدة بأن الرئيس المنتخب سيهدد بفرض رسوم جمركية ضخمة ضد الاتحاد الأوروبي.
وهناك قلق أيضًا من أن ترامب سيؤدي إلى انقسام حلف شمال الأطلسي في ولايته الثانية، بعد أن قال في حملته الانتخابية إنه سيقول لروسيا إن بإمكانها أن تفعل “ما تشاء” بأعضاء الحلف الذين لا يلتزمون بالمبادئ التوجيهية للحد الأدنى من الإنفاق الدفاعي.
ويبدو أن ماكرون، من خلال دعوته ترامب في أول زيارة خارجية حتى قبل أن يتسلم منصبه، قد سبق منافسيه، خاصة وأن هناك منافسة ضئيلة من ألمانيا، حيث يبدو أن المستشار أولاف شولتس سيلحق ببايدن قريبًا إلى الهاوية السياسية بعد انهيار ائتلافه الحاكم مع الانتخابات المقررة في فبراير (شباط).
أما رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر فهو أقوى لكنه يواجه مشكلة في تحقيق التوازن حيث لا يحظى ترامب بشعبية كبيرة في حزب العمال الحاكم. كما أن بريطانيا تفتقر إلى النفوذ الأوروبي بعد خروجها من الاتحاد في فورة شعبوية أسعدت ترامب وأنذرت بفوزه في عام 2016.
ويوم الاثنين، حذّر من أن سيكون هناك “جحيم” في الشرق الأوسط إذا لم تطلق “حماس” سراح الرهائن في غزة قبل يوم تنصيبه.
تلاشي بطيء عن الأنظار
اما خروج بايدن من المسرح العالمي فلم يكن بمثابة سقوط دراماتيكي بقدر ما كان أشبه بتلاش بطيء عن الأنظار، وهو ما كان بمثابة خاتمة غير مثيرة لمسيرة طويلة في السياسة الخارجية التي يتعرض إرثها الآن للتهديد من قبل ترامب.
وخلال جولة بايدن في أميركا الجنوبية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، التي لم تكن جولة وداعية، طغى طيف الإدارة الأميركية الجديدة عليها، حيث حوّل زملاؤه القادة اهتمامهم وقلقهم إلى مارالاغو وسلسلة الاختيارات المثيرة للجدل التي قام بها ترامب لحكومته.
وفي المحادثات التي دارت في الأروقة الخلفية في قمة مجموعة العشرين في البرازيل، تهامست الوفود فيما بينها حول الفريق الأميركي القادم، بحثًا عن دلائل على ما ستحمله السنوات الأربع المقبلة. وكان بايدن قادرًا على تقديم القليل من التطمينات لنظرائه، وكان واضحا أن الكثيرين لم يعيروا أي اهتمام لها.
تعكس زيارة ترامب إلى باريس عودته القوية إلى الساحة الدولية، وسط تراجع تأثير بايدن. وتسلط هذه الزيارة الضوء على التحديات التي سيواجهها القادة العالميون مع رئيس أميركي جديد، قد يعيد تشكيل العلاقات الدولية بشكل غير تقليدي.