يصل إلى أنقرة، اليوم، وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في أول زيارة لمسؤول أميركي رفيع إلى تركيا، بعد سقوط النظام في سوريا. ووفقاً لصحيفة «جمهورييات»، سيعقد بلينكن محادثات مع نظيره التركي، حاقان فيدان، وعلى رأس جدول مناقشاتهما، الوضع في سوريا، علماً أن الوزير التركي كان قد طلب إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، تشمل منطقة شرق الفرات. ومع أن واشنطن لا تزال تقف خلف الأكراد، لكن صحيفة «يني شفق» الموالية رأت أنه ينبغي بعد رحيل الأسد أن ترحل الميليشيات الكردية، وكشفت عن أن «العمل جارٍ على القبائل العربية لتنفض عن الأميركيين والأكراد، وتنضمّ إلى الجيش الوطني السوري (التابع لتركيا) لتنظيف شرق الفرات من قسد». وفي الإطار نفسه، اعتبرت صحيفة «قرار» المعارضة، في عنوانها الرئيسي، أن «الدور الآن على شرق الفرات»، لافتةً إلى أنه بعد سيطرة «الجيش الوطني» على دير الزور ومنطقة النفط، ستتّجه قواته إلى مدينة الرقة ذات الغالبية العربية. وذكر الكاتب مراد يتكين، من جهته، أن تركيا أصبحت القوة الثالثة المؤثّرة في سوريا بعد «هيئة تحرير الشام» وإسرائيل، مشيراً إلى أن الأكراد انسحبوا من دير الزور وسلّموها لـ«الهيئة»، نزولاً عند رغبة الأميركيين. وبيّن الكاتب أن «اقتراب الصدامات بين الجيش الوطني والأكراد من مناطق شرق الفرات وكوباني وغيرها، عجّل من زيارة بلينكن إلى أنقرة».
ومن جانب آخر، ومع أن أيّ ردود فعل تركية، رسمية أو إعلامية، لم تصدر إلى الآن، فقد برز إلى الواجهة ما جاء على لسان المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي الخامنئي، الذي اتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء «العدوان والتخطيط له» – وهو ما ليس جديداً -، من حديث عن «الدور الواضح لإحدى الدول الجارة لسوريا في الأحداث»، من دون أن يسمّيها، علماً أن الخلافات التركية – الإيرانية في شأن سوريا وكل المنطقة من القوقاز إلى العراق، لا يمكن إنكاره، وأن التنافس واضح بين الطرفين. ولا شكّ في أن الموقف الإيراني، وكونه جاء من أعلى سلطة على الإطلاق في الجمهورية الإسلامية، لن يمرّ مرور الكرام، وستكون له تداعياته اللاحقة على العلاقات بين البلدين، وعلى معظم مناطق الاشتباك الثنائي في الشرق الأوسط.
وفي مقالة بعنوان «العجين الدموي» في صحيفة «غازيتيه دوار»، اعتبر فهيم طاشتكين أن «اللاعبين الذين أداروا ظهرهم لسوريا، نجحوا في إغراق دولة عربية لا تتبع النظام الأميركي في الشرق الأوسط. ولم يَعُد لدى سوريا القوّة للردّ على إسرائيل»، التي رأى أن مهمّتها توزّعت على: «أولاً، تنفيذ هجمات قاتلة ضدّ حلفاء دمشق في سوريا عبر غارات هائلة منذ 27 تشرين الثاني؛ ونزع أسنان سوريا وتكسير أضلاعها بتدمير شامل لقدراتها العسكرية واحتلال جبل الشيخ المهمّ للموارد المائية في الجولان المحتل».
دعا أوزيل إلى أن تسهم تركيا بصورة عقلانية وبنّاءة في إحلال السلام في سوريا
ويبدو، وفقاً لطاشتكين، أن «الشخص الذي أدخل السرور إلى قلب إسرائيل أكثر من غيره، كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الذي قام، على مدى 13 عاماً، بعمليات تكسير تدريجية للعظام السورية. إردوغان هذا سيطر على تل رفعت ومنبج وهو الطرف الجنوبي من كماشة على الأكراد شرق الفرات، طرفها الآخر القوات التركية في شمال شرق الفرات». وقال الكاتب إنه «فيما يعمل إردوغان على عقلنة هيئة تحرير الشام وتلميع صورة الجهاديين، فهو يأمل في عودة اللاجئين وإعادة إنشاء سوريا وتوفير فرص للاستثمارات التركية فيها». لكن المسعى التركي إلى تشكيل جيش سوري على النمط الذي يلائم أنقرة، قد يصطدم بعقبة الرفض الأميركي، كون واشنطن لا تريد هيمنة للإسلاميين الجهاديين على الجيش. كذلك، فإن الولايات المتحدة ستقوم بجهد لمنع الأتراك من تخطّي شرق الفرات ومهاجمة الأكراد. وفي هذا الإطار، بدا لافتاً ما جاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، من أن الهجمات على الأكراد كما حدث في تل رفعت ومنبج، «يجب أن تتوقّف».
ولفت في سياق التفاعل مع التطوّرات السورية، الحوار الذي أجرته صحيفة «حرييات» (الموالية) مع زعيم «حزب الشعب الجمهوري» المعارض، أوزغور أوزيل، الذي اقترح على إردوغان ثلاثة أمور: «أن تسهم تركيا بصورة عقلانية وبنّاءة في إحلال السلام في سوريا، وأن تحدّد موقفاً سليماً من أجل أمن جنودها هناك ومنع إقامة دولة كردية، وأن تضمن عودة اللاجئين وتحفّزهم على العودة». ورأى أن «على الجيش التركي أن يكون موجوداً حيث يجب أن يكون، وأن يكون النظام الجديد في سوريا ممثّلاً لكل الهويات هناك من أكراد وعرب علويين وسنة وغيرهم، وهو ما لم يكن ممكناً في شرق الفرات، لكن على سوريا أن تقوم باحتضان الجميع»، داعياً إلى جعل النفط ملكاً للحكومة المركزية، وتوزيعه بالعدل على كل السوريين. وممّا قاله أوزيل: «لا يمكن لأحد أن يقول لتركيا، اخرجي من سوريا، قبل أن يتحقّق الاستقرار ووحدة الأراضي السورية، وتأخذ تركيا حينها ضمانات بعدم تشكيل سوريا خطراً عليها». لكن أوزيل تحفّظ على تعيين محمد البشير الذي كان رئيس «هيئة تحرير الشام» في إدلب، رئيساً جديداً للحكومة السورية، وقال إنه «أمر لا يثير الارتياح».
في هذا الوقت، تكثّفت حركة عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم، ما قد يسهم تدريجياً في تخفيف التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لوجودهم على الداخل التركي. وقال رئيس «معهد الحقوق غير المنقولة»، المحامي علي يوكسيل، إن «أول الانعكاسات الإيجابية لبدء عودة السوريين، هو الانخفاض الفوري للإيجارات في إسطنبول بنسبة 20-30%. وقد حرّكت العودة سوق السيارات والبيوت ومراكز العمل». ولفت إلى أن «تركيا عموماً تحتاج إلى 500 ألف، وإسطنبول إلى 125-150 ألف وحدة سكنية جديدة. وهذا ما لا يمكن تلبيته بسرعة وبسهولة. ولكن يمكن مع عودة اللاجئين، تخفيف مشكلة السكن وارتفاع الأسعار والإيجارات، بل الحصول على فرص عمل لليد العاملة التركية التي أخذ العامل السوري مكانها وبأسعار بخسة».