العلاقات الصينية السورية تعود إلى عقود مضت، لكن في السنوات الأخيرة بدت وكأنها باتت أكثر حميمية. وعلى هامش استضافة بكين دورة الألعاب الآسيوية، كانت تستقبل الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته بحرارة وأبقتهما في ضيافتها ستة أيام، انتهت بتأكيد الرئيس الصيني شي جينبينغ مواجهة التدخل الخارجي في سوريا والمساهمة في إعادة الإعمار. وفي الأمم المتحدة، غالباً ما صوّتت بكين جنباً إلى جنب مع موسكو، لمنع إصدار إدانات أو عقوبات من مجلس الأمن الدولي بحق الأسد ونظامه، مستخدمة صلاحيتها وحقّ النقض “الفيتو”.
وقع سقوط نظام الأسد لم يكن أقلّ وطأة عند القيادة الصينية عن سائر الدول، فقد أشار الباحث غير المقيم في المجلس الأطلسي جوناثان فولتون إلى أن هذا الحدث كان بمثابة “ضربة لطموحات الصين العالمية، مثلما أدى إلى تقليص نفوذ داعميه الرئيسيين إيران وروسيا”، ورأى الباحث عينه في حديث مع “رويترز” أن كثيراً ما كانت الصين تفعله على المستوى الدولي كان “يعتمد على دعم هاتين الدولتين، وعدم قدرتهما على دعم أكبر شريك لهما في الشرق الأوسط يكشف الكثير عن مدى قدرتهما على القيام بشيء خارج المنطقة”.
وكانت الصين تسعى إلى تقديم نفسها على أنها “وسيط دولي”، خصوصاً عقب النجاحات التي حققتها في بعض الملفات مثل العلاقات السعودية الإيرانية. لكن هناك ملفات أخرى تتعلق بالشرق الأوسط لم تستطع أن تحقق أي خرق جدي فيها مثل المصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس”.
وخلال زيارة الأسد للصين، رفعت الدولتان علاقاتهما إلى مستوى “شراكة استراتيجية”، وفي عام 2022 انضمت سوريا إلى مبادرة “الحزام والطريق”، لكن الاستثمارات الصينية لم تصل إلى الميدان السوري لأسباب مرتبطة بالعقوبات الغربية.
الصين ما بعد سوريا الأسد
في تحقيق لمجلة “فورين بوليسي”، أشارت فيه إلى أن الخبراء والمسؤولين المعنيين سوف يسعون إلى “إيجاد تفسير لخواء نظام الأسد ونجاح المتمردين”، وأن هناك خبرة حقيقية بين الأكاديميين الصينيين في شؤون الشرق الأوسط، و”لكنّ هناك أيضاً ميلاً بين المسؤولين الصينيين إلى استخلاص استنتاجات سريعة، مثل إلقاء اللوم على وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية CIA في ما يسمى بالثورات الملونة”.
وبحسب المجلة نفسها، “من بين المخاوف الكبرى الأخرى التي تواجه بكين وجود مقاتلين من الأيغور بين القوات المتمردة في سوريا”، وتشير إلى أن التقديرات تقول إن أعدادهم تتراوح بين المئات والآلاف.
بعيداً عن هذه التقديرات، فإن الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط من شأنهما أن لا يخدما مصالحها الأساسية المرتبطة بمبادرة “الحزام والطريق”. أما رؤية المنطقة تقع تحت النفوذ الأميركي بالكامل بعد تقلص دور الشريكين الروسي والإيراني فهذه مشكلة أكبر.
وفي هذا الإطار يقول بيل فيجيروا، الأستاذ المساعد في جامعة غرونينجن وخبير في علاقات الصين بالشرق الأوسط، إن الصين “لا يمكنها في الواقع أن تحل محل الغرب، سواء في المجالات الاقتصادية أو الدبلوماسية أو العسكرية في منطقة الشرق الأوسط”. وأن الصين في 2024 تملك أموالاً أقل بكثير مما كانت تملكه في عامي 2013 و2014 عندما أطلقت مبادرة “الحزام والطريق”، وأن “ثمة إعادة تقييم واضحة تجري في اتجاه الاستثمارات الأكثر أماناً وتقليل المخاطر عموماً للصين”.
أمّا موقع China Global South Project فيشير إلى أن الخبراء الصينيين “ما زالوا منقسمين بشأن النتيجة المباشرة للهجوم الذي شنته المعارضة السورية”.
الواقع المستجد يدفع بالواقعية السياسية الصينية إلى التواصل مع “هيئة تحرير الشام” عبر تركيا، لا سيما أن النفوذ التركي بدأ يمتد على الحدود الشمالية السورية، وبدقة أكثر في العاصمة الصناعية حلب، وبالنظر إلى خريطة المبادرة الصينية، فإن “طريق الحرير” الجديدة تمر من شمال سوريا وصولاً إلى تركيا ومنها نحو أوروبا.
وفي هذا السياق، يقول موقع South China Morning Post إن علاقات الصين مع سوريا “تتعرض للاختبار بسبب السقوط المفاجئ لبشار الأسد الصديق لبكين”، لكنه يتوقع في الوقت عينه أن تتبنى بكين والحكومة الجديدة في دمشق نهجاً عملياً للتعاون والاستثمار.
الترجمة الرسمية لهذه التحليلات والمواقف جاءت على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ يوم الاثنين الماضي، بالقول إن “علاقات الصين الودية مع سوريا هي لمصلحة الشعب السوري بأكمله” مع التشديد على عودة الاستقرار إلى سوريا في أسرع وقت ممكن. وهذه كانت أوضح إشارة إلى ترك المجال مفتوحاً للتواصل مع الحكومة السورية الجديدة، أو بالحد الأدنى طرق بابها.