كان اجتماع النخبة الكردية مطلوبا منذ زمن طويل , كان مطلوباً بُعَيد انهيار اتفاق دهوك مباشرة , فالكرد في سوريا خلال الحدث السوري كانوا بحاجة إلى مرجعية سياسية , بمثابة هيئة تشريعية أو مجلس أعيان تبت في القرارات المصيرية .
لم يتم ذلك في وقته , فدفعنا -على مدار أكثر من عقد – ثمن التشظي والتفرد في القرار في أكثر من موقع و زمان , اليوم و بعد فرار الأسد و انهيار منظومته و تسلم هيئة تحرير الشام لزمام الأمور في دمشق , تنشط الساحة السياسية السورية عموماً و الكردية من ضمنها , تتعالى الأصوات الداعية إلى الاجتماعات و تشكيل الوفود للذهاب إلى دمشق و مقابلة (القائد أحمد الشرع) , مستمدين الاندفاع و الحماس من صخب الإعلام و من احتفالات فاقعة (بفتح مبين ) و من رؤية الوفود الدولية التي تتوالى بدورها على دمشق .في حالة تشبه في صخبها بدايات الحراك و فترة التنسيقيات التي سرعان ما تم اجهاضها .
لننتبه إلى تسلسل العربة و الحصان , ماذا أولاً ؟ دعونا لا نتسابق على الذهاب إلى دمشق قبل تشكيل وفد كردي موسع مقتدر, يمثل مناطقنا الثلاث (عفرين ,كوباني, الجزيرة ) خارج إطاري “الائتلاف” و “مسد” (فالإطاران هما أجسام توافقية متعددة المكونات لها مطالبها التي قد تلتقي مع المطالب الكردية لكنها لا تتطابق معها بالتأكيد) , و لا نشكل وفداً إلا بعد تشكيل مرجعية , و لا نشكل مرجعية إلا بعد نفاذ المحاولات لتحقيق الإجماع , و لا نعلن السفر الى دمشق الا بعد تحديد سقف المطالب و صياغة الخطاب فنحن لم نتأخر بعد على موعد القطار , و الحالة السورية لم تأخذ شكلها النهائي بعد .
لقد وصل البعض الكردي منفرداً إلى دمشق و ربما يتهافت البعض الآخر على الذهاب في قفز انتهازي من فوق الاستحقاقات و التحضيرات و الآليات المطلوبة و لهؤلاء نقول :
1- هيئة تحرير الشام وصلت الى دمشق نتيجة صفقة دولية و اقليمية و الإدارة الناشئة هي إدارة طوارئ كان الأولى بالسيد أحمد الشرع رئيس هذه الإدارة أن يزور هو المدن السورية و يلتقي بالرموز و الفعاليات الدينية و القومية و يُطمئن الناس و يعدهم بالأمان و العدالة لحين إجراء انتخابات نزيهة, لا أن تتزاحم الوفود على بابه في الوقت الذي ينشغل فيه هو بزيارة حلاقه السابق أو تكيته أو …
2- لا بأس أن يمد الكرد يدهم للقيادة الجديدة كحسن نية و كرسالة مفادها أنهم جزء من الوطن السوري من خلال وفد قوامه وجهاء و رموز و بعض السياسيين يعود على أدباره فور ايصال الرسالة.
3- الوفد الرسمي الذي سيفاوض باسم الكرد من المفترض أن يتلقى دعوة رسمية من القيادة في دمشق بحسب البروتوكولات و الاتيكيت .
4- كل الوفود الدولية التي تزور دمشق , تأتي لتسمع و ترى ثم تعود إلى مراجعها و ليست مخولة باتخاذ قرار و كل ما يتداوله الإعلام هي طقوس دبلوماسية لا تعكس التقييم الحقيقي و لا يعني أن العالم سينفتح ببساطة على حكومة كان أركانها حتى الأمس القريب (سلفيون متهمون بالإرهاب ). فأين هو مرجع الكرد الذي خولهم و سيعودون إليه ؟ أم أن حفنة ممن سيحالفهم الحظ بالوصول إلى دمشق و إلى باب القائد سيقررون عن الكرد ارتجالاً ؟
5- المدن و البلدات المختلطة التي يعيش فيها الكرد تشهد فتناً و اضطراباتٍ داخلية من تدبير فاعل هو نفسه الذي يقصف يوميا قراهم و بلداتهم و يرهب أهلها المدنيين و هو نفسه الذي ساهم في صناعة القائد و فتحه المبين لدمشق فكيف للكردي ان يشكل الوفود و يتفاوض تحت النار في حلقة من نار ؟ أليس حري بنا ان نطالب بوقف العدوان أولا ؟.
6- كيف ستتفاوضون و أشقاءكم في “كوباني” مهددون بغزو و استباحة ؟
7- منطقة “جيايه كرمنج” هي درة روز-آفا و هي موطن أربعة من أصل سبعة مؤسسين للحزب الكردي الأول فاين بنات و أبناء عفرين من اجتماعاتكم و وفودكم ؟ هل خاطبتم قيادة دمشق باسم اجتماعكم عن الاحتلال في عفرين رغم زعمهم تحرير البلاد و عن سجون عفرين التي لا تزال ملآى بالأبرياء رغم إخلاء سجون الأسد و عن مئات الموقوفين و المعتقلين ممن عادوا من مناطق الشهباء تحت طائلة الغرامة التعجيزية أو السجن و التعذيب ؟
8-…
9-…
تمهلوا أيها الكرد, لا تفاوضوا فرادى , لا تفاوضوا تحت الإرهاب ,هذه مكيدة , لفوا من حولها دون الوقوع فيها, طالبوا حكومة الشرع أولاً بإيقاف الحرب التركية عليكم , طالبوا بضمانات دولية لأمان مستدام , فمن يتفاوض على الحقوق تحت النار لن يحصل عليها أبداً.