في وقت بدا قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع (الجولاني)، على غير عجلة من أمره في موضوع وضع دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات، فإنه على خلاف ذلك، يسير بخطى حثيثة ومتقاربة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية ومؤسسة الجيش السوري، الأمر الذي أثار شكوكاً ومخاوف واسعة حيال أولوياته وحقيقة أهدافها، وما إذا كانت تتعلق بفرض الأمن والأمان بالفعل أم هي جنوح نحو الرغبة في فرض دعائم الحكم الجديد عبر مؤسسات أمنية وعسكرية مستحدثة وراسخة لا تمسها في ما بعد الانتخابات، التي قال الشرع إنها قد لا تُجرى قبل أربع سنوات.
وما عزز المخاوف أنه من بين ما يقارب خمسين ضابطاً صدر قرار ترفيعهم، الأحد، ليكونوا المشرفين على تأسيس الجيش الجديد، ثمة أكثر من عشرة منهم لا ينتمون إلى الجنسية السورية.
وقد صدر القرار رقم (8) الخاص بالترفيع عن القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، علماً أن هذه القيادة بعد انفراط عقد الجيش السوري السابق لا تحتوي رسمياً سوى على وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، وهو مكلف تكليفاً القيام بأعمال وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال.
ولم يتحدث القرار عن إعادة تأسيس الجيش بل ذكر أنه “في إطار تطوير وتحديث الجيش والقوات المسلحة، وبناءً على مقتضيات العمل العسكري، وتعزيز الثقة بقدرات الجيش العربي السوري بكل فئاته ومرتباته”. وقد وقّع الشرع القرار بصفته القائد العام ممهوراً بختم تضمن مصطلح القيادة العامة، من دون أن يذكر ما إذا كان القائد العام للجيش والقوات المسلحة.
وفي حديثه إلى قناة “العربية”، الأحد، أكد الشرع أن المؤتمر الوطني السوري المزمع عقده قريباً سوف يشهد إجراءات عدة من بينها حل الفصائل المسلحة، وكذلك إلغاء العمل بالدستور الحالي.
وقد أثار ذلك الكثير من التساؤلات الدستورية بشأن مدى امتلاك الشرع الصلاحيات التي تمكنه من اتخاذ مثل هذا القرار، علماً أن ثمة من يجادل بأن ترفيع الضباط بموجب الدستور الحالي يتطلب إصدار مرسوم جمهوري.
من جهة أخرى، بدا واضحاً أن الحاجة إلى الانسجام ضمن فريق إدارة الدولة الجديدة، وهو ما أقر به الشرع معتبراً أن التعيينات كلها من لون واحد، قد انسحبت أيضاً إلى تشكيل الجيش السوري الجديد، حيث حظي قادة الصف الأول في “هيئة تحرير الشام” العسكريين بأرفع الرتب مهيمنين بشكل خاص على رتبتي اللواء والعميد.
وقد حصر القرار الترفيع إلى رتبة عقيد في قادة الفصائل المقربة والمتحالفة مع “هيئة تحرير الشام”، من دون إعطاء أي رتبة لقادة الفصائل الآخرين، لا سيما العاملين في “الجيش الوطني السوري” الممول من تركيا. وممن شملهم الترفيع أحمد عيسى الشيخ قائد “صقور الشام” الذي عُيّن أيضاً محافظاً لإدلب، وقادة فصائل في “حركة الزنكي” و”جيش العزة” و”أحرار الشام” (الفرع المتحالف مع الجولاني) و”جيش الأحرار”.
وفيما تؤكد هذه الترفيعات رغبة الشرع في الاستحواذ على قيادة الجيش واحتكار عملية تشكيله، فإنها تطرح تساؤلات جديدة عن سبب استبعاد قادة الفصائل المدعومين من تركيا، مع الإشارة إلى أنه حتى تاريخه لم تبادر الحكومة الموقتة التابعة للائتلاف السوري والتي تدير مناطق انتشار الجيش التركي في الشمال السوري إلى الاتصال بحكومة تصريف الأعمال، بل ما زالت قائمة على رأس عملها، وتدير مناطقها بشكل مستقل، حتى إنه صدر قرار بترفيع ضباط وصف ضباط الشرطة في مدينة أعزاز الأحد أيضاً.
ومن حيث المناطقية، لوحظ اعتماد الشرع على الضباط المنحدرين من حماة لتولي أرفع الرتب (اللواء) كما كل من وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس هيئة الأركان العامة علي نور الدين النعسان.
أما رتب العميد وهي خمس، فلم يكن من بينهم سوى سوريين اثنين هما محمد خير حسن أبوشعيب المعروف بلقب أبو الخير تفتناز، وكان يتولى منصب مسؤول عمليات الجناح العسكري في الهيئة، وعبدو محمد سرحان ويعرف بلقب أبو عاصم الغوطة، وكان يقود فرع “جبهة النصرة” في الغوطة الشرقية.
أما العمداء الباقون فهم من جنسيات مختلفة: عبدالعزيز داود خدابردي ويعرف بلقب أبو محمد التركستاني وهو قائد جناح “الحزب الإسلامي التركستاني” الذي بايع الجولاني في فترة سابقة، أما الجناح الثاني فهو “غرباء التركستان”. وعبدالرحمن حسين الخطيب وهو أردني الجنسية وعرف في سوريا باسم أبو حسين الأردني. والعميد الثالث هو عمر محمد جفتشي وهو من أبرز القادة العسكريين المقربين من أحمد الشرع، وكان يعمل في سرية تامة من دون الكشف عن هويته وكان يعرف بلقب مختار التركي.
وتم ترفيع 42 ضابطاً إلى رتبة عقيد، من بينهم أسماء عدة تنتمي إلى جنسيات غير سورية مثل الجنسية الألبانية (عبدل صمريز يشاري)، والمصرية (علاء محمد عبدالباقي)، والأردنية (ابنيان أحمد الحريري)، والطاجيكية (مولان ترسون عبدالصمد).
ومن بين هذه الأسماء عدد كبير ليس لهم أي خلفية عسكرية بل كانوا مدنيين عاديين قبل أن يشاركوا في القتال ضد النظام السابق.
وتثير هذه الطبقة العسكرية التي أسسها أحمد الشرع لتولي مهمة تأسيس الجيش، مخاوف كثيرة محلية وإقليمية ودولية، إذ أن وجود جنسيات مختلفة في المناصب الرفيعة في الجيش سيثير الشكوك بشأن مدى وطنيته، ويخالف ذلك تعهدات الشرع بأنه لا يسعى إلى تصدير الثورة. ومن شأن أصحاب الجنسية الأردنية أن يثيروا قلق عمّان، بخاصة في ظل المعلومات التي تؤكد وجود علاقة قوية بين هؤلاء وبين قادة حركة “حماس” في فلسطين، كما بسبب خلفياتهم التي يطغى عليها الارتباط السابق مع تنظيم “القاعدة”.
وكذلك من شأن إعطاء أبو محمد التركستاني منصباً في الجيش السوري الجديد أن يثير استياء الصين التي تبذل جهوداً استخبارية منذ سنوات لمتابعة نشاط “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا.
وقد غلبت على الشارع السوري لدى صدور هذه التشكيلة مشاعر صدمة حقيقية بسبب الاعتماد على جنسيات مختلفة في بناء جيش يفترض أنه وطني، غير أن أنصار “هيئة تحرير الشام” برروا ذلك بأن قرار تجنيس هؤلاء بالجنسية السورية سوف يصدر قريباً، كما وعد الشرع في تصريحات سابقة.