سيناريوهات الحرب في المنطقة ما زالت مفتوحة (أ ف ب)

بعد دخول الأزمة في غزة أسبوعها الثاني واستمرار القصف الإسرائيلي على القطاع عطفاً على سيناريوهات الغزو البري الواردة بقوة، بدأت الدوائر المعنية بالتحليلات العسكرية والاستراتيجية في تساؤل حول ما إذا كانت العمليات العسكرية المنطلقة هناك ستؤدي إلى تصعيد على جبهات أخرى ساخنة، لم تكن في حاجة إلا إلى أعواد ثقاب حتى تشتعل

المؤكد أن الجميع يترقب، ومنذ فترة ليست بالقصيرة، مواجهة عسكرية بين قوات الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” جنوب لبنان، ناهيك عن المعركة التي تبدو للبعض واجبة الوجود بين إيران وإسرائيل جراء معادلات التفوق الإقليمي التي قد تختل إذا امتلكت إيران القنبلة النووية.

ولعل المتابعين للمشهد على الأرض يتساءلون، ولهم في السؤال ألف حق، “لأي سبب تتوجه قوة النيران الأميركية الهائلة، المتمثلة في أحدث حاملة طائرات في البحرية الأميركية “جيرالد فورد” إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، ثم تتبعها حاملة الطائرات “أيزنهاور”؟

 المؤكد أن المواجهة الإسرائيلية في غزة لا تستدعي تحرك حاملات طائرات أميركية، تستخدم في حالات الحروب الكبرى بدءاً من الإقليمية وصولاً إلى العالمية، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً لما هو أبعد.

هل هو أوان تصفية حسابات أميركية قديمة مع إيران بنوع خاص والخلاص من وكلائها في المنطقة؟ وإن كان ذلك كذلك فهل يعني الأمر أن جبهات عدة سوف تنطلق فيها عمليات عسكرية لم يعرفها العالم ربما منذ وقت طويل؟

يذهب البعض إلى القول إن واشنطن ربما تجد التوقيت نموذجياً لإنهاء أزمات متراكمة في هذه الرقعة الجغرافية دفعة واحدة. لماذا؟

لأن روسيا منشغلة في أوكرانيا من جهة، ما يعني عدم مقدرتها على مشاغبة الحضور الأميركي عسكرياً عبر مساعدة إيران على سبيل المثال، وفي الوقت نفسه فإننا نجد الصين معطوبة اقتصادياً، ناهيك عن وجود مناطق ملتهبة تستدعي وجودها فيها كما الحال في مياه المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي ثم جزيرة تايوان.

كيف يمكن أن تمضي سيناريوهات الحرب في المنطقة، وما هي الساحات المرجحة والمرشحة لأن تكون موقعاً وموضعاً للأسوأ الذي لم يأت بعد؟

سيناريو المواجهة مع “حزب الله”

تبدو الجبهة الجنوبية للبنان هي أول جهة مرشحة للتصعيد، وهو أمر وضعته الاستراتيجيات والخطط العسكرية الإسرائيلية نصب أعينها منذ وقت طويل.

في أوائل أغسطس (آب) المنصرم، نشرت صحيفة “يسرائيل هيوم” تقريراً مطولاً عن المواجهة المحتملة مع “حزب الله”، وقد بدا واضحاً أن قدراته الصاروخية هي أكثر ما يزعج الجانب الإسرائيلي.

لا تبدو الأرقام الخاصة بصواريخ “حزب الله” دقيقة للغاية، لكن مصادر عسكرية متعددة ترى أنها لا تقل عن 150 ألف صاروخ، وأنهم يخططون إلى قصف إسرائيل يومياً باستخدام ستة آلاف صاروخ خلال الأيام الأولى من الحرب، وما بين 1500 إلى 2000 صاروخ لاحقاً.

 هذه القصفات ستتسبب في مقتل 500 مدني على الأقل، وهذا لا يشمل الجنود وإصابة الآلاف. ما الذي تتخوف منه إسرائيل حال الاشتباك مع “حزب الله”؟

 أولاً: حالة الفوضى الكبيرة التي ستضرب الداخل، ما يعني أن جهاز الأمن الداخلي سيجد نفسه قلقاً ومضطرباً بصورة لم يعهدها من قبل.

 ثانياً: التخوف الاستراتيجي الأكبر موصول بقدرات الدولة الإسرائيلية على الاستمرار في أداء الدولة لمهامها، فالصواريخ حتماً ستصيب شبكة الكهرباء والاتصالات والإنترنت وسلسلة توريد الأغذية والقدرة على تقديم الخدمات للمواطنين في أعقاب التوقف عن العمل.

ولعل التخوف الشديد يتمثل في حدوث ضربة دقيقة لمحطات توليد الطاقة بشكل يضر جداً بالقدرة على إنتاج الكهرباء التي من دونها ستشوش أيضاً الاتصالات مما يؤثر في القدرات الدفاعية.

دخول “حزب الله” إلى دائرة العمل العسكري، يمكن أن تصيب الموانئ البرية والجوية لإسرائيل بشلل تام، ما يؤدي إلى وقف حركة الطيران من وإلى داخل تل أبيب، فيما الخوف الأبرز يتمثل في عدم امتثال الفلسطينيين من الداخل لعملهم الحيوي كسائقي الشاحنات في مثل هذا الوضع ستنقطع سلسلة التوريد”.

هنا يعني للقارئ أن يتخيل قدر الرد المطلوب من إسرائيل للدفاع عن أمنها القومي، وكيف يمكن أن تكون عليه الحال بعد تغيب نحو 50 في المئة من المستوطنين عن عملهم، وغياب 70 في المئة من القائمين على المرافق الحيوية.

هل يعني ذلك أن إسرائيل ستقصر عن الرد وهي ترى زلزالاً يصيبها على هذا النحو؟

بالقطع لا، وربما لهذا ارتفعت أصوات في الداخل الإسرائيلي خلال الأيام الأخيرة تطالب بضربة استباقية للقدرات القتالية خصوصاً الصاروخية لـ”حزب الله” لتجنب الوقوع في مصدة الصواريخ المعدة من زمان وزمانين للدولة العبرية، وقبل أن تصاب الأخيرة بتدمير فتاك لبناها التحتية.

 غير أن هذا السيناريو محفوف بالأخطار لأنه سيعني توسيع دائرة الصراع، واستدعاء قسرياً لإيران، وحدوث القارعة الكبرى المحتملة. غير أنه قبل الوصول إلى الساحة الإيرانية، ربما يتوجب علينا التوقف عند منعطف آخر يشكل جبهة محتملة لا شك فيها.

سوريا والجولان… مزيد من الانخراط

تبقى الساحة السورية مرشحة وبقوة لأن تكون بدورها مسرحاً للعمليات حال اتساع رقعة النيران، سيما أن الجولان المحتل لا يزال يئن تحت وقع الحضور الإسرائيلي.

في الأيام الأولى من المواجهة بين غزة والداخل الإسرائيلي سقطت بالفعل قذائف في منطقة مفتوحة تم إطلاقها من الجانب السوري.

لم يعلق النظام السوري أو تتطرق وسائل إعلامه لهذه الحادثة التي تزامنت مع عمليات قصف متبادلة على الحدود “اللبنانية – الإسرائيلية”، غير أن الأنظار تتجه في الوقت الحالي إلى ما ستؤول إليه الأوضاع خلال الأيام المقبلة.

 على أن علامة الاستفهام الأهم ما هو موقف النظام السوري مما جرى نهار السابع من أكتوبر الجاري؟ وهل هذا الموقف سيجعل من سوريا ساحة مواجهة وعلى رقعة جغرافية أوسع  بكثير من مجرد الجولان؟

بعد عملية “حماس”، نشرت رئاسة الجمهورية السورية بياناً جاء فيه أن “فصائل المقاومة في فلسطين المحتلة سجلت سطراً جديداً على طريق إنجاز الحقوق الفلسطينية الثابتة غير القابلة للتصرف”.

هل يعني ذلك أن هناك موافقة سورية رسمية على أن تنضم للقتال الواسع حال حدوثه؟

 المعروف أن سوريا زاخرة بعديد من الجماعات المسلحة التابعة لإيران التي تقاتل فوق أراضيها، بينها أطراف تابعة لـ”حزب الله” مباشرة.

 على أنه وإن كان من النادر أن تشهد هضبة الجولان أحداثاً أمنية كبيرة من جانب النظام السوري، حتى باتت “جبهة هادئة” على نحو أكبر من بقية الجبهات المحيطة بإسرائيل، إلا أن ذلك لم يوقف حالة التوجس والتحذير من جانب إسرائيل، إذ كانت تتجه دائماً للقول إن إيران تعمل على تشكيل “حزب الله 2” على الطرف المقابل من الجولان ضمن الأراضي السورية.

هنا ومن دون تطويل ممل يمكن القطع بأن سوريا وحال القارعة الأوسع، سترحب أيما ترحيب بالتنسيق مع إيران و”حزب الله” والمقاومة الفلسطينية كضرورة للاشتراك في مهاجمة إسرائيل، ما يفيد بأن جبهة الجولان التي لطالما اعتبرت هادئة ستتحول عند نقطة زمنية بعينها إلى كتلة لهب متدحرجة مرة جديدة، الأمر الذي يلقي بعبء عسكري إضافي على إسرائيل، التي ستكون عندها في مواجهة ثلاث جبهات، هي غزة على الحدود و”حزب الله” في الجنوب اللبناني وأطراف وأطياف مقاومة فلسطينية مختلفة داخل أراضي العمق الإسرائيلي من أولئك الذين يطلق عليهم عرب 1948، وهم كثر ولا توفرهم إسرائيل من حساباتها حال المواجهة  الكبرى، غير أن الجبهة القتالية المخيفة التي تتحسب لها إسرائيل تتمثل في إيران.

الموقف السياسي الإيراني من غزة

نهار السبت الماضي، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، “إذا لم تتوقف جرائم الحرب والإبادة الدفاعية التي يرتكبها نظام الفصل العنصري الإسرائيلي على الفور، فقد يخرج الوضع عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى عواقب واسعة النطاق”.

 وفي وقت سابق أعرب وزير الخارجية الإيراني أمير عبداللهيان عن مواقف مماثلة خلال اجتماع مع رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني.

 في تصريحاته قال عبداللهيان، “حقيقة أن النظام الصهيوني يقتل مئات الفلسطينيين كل يوم لا يمكن التسامح معها، ويجب إنهاء جريمة الحرب هذه، وكذلك الحصار البشري على غزة وقطع المياه والغذاء والدواء”.

عبداللهيان أضاف، “إذا استمرت جرائم النظام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والمواطنين الفلسطينيين، فلا يمكن لأحد أن يضمن بقاء الوضع في المنطقة على ما هو عليه”.

 هل تعني التصريحات السياسية السابقة أن طهران يمكن أن تنزلق إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل؟

 

 المعروف والمعلوم للجميع، أنه من دون ما جرى في غزة، وقصة المواجهة الإسرائيلية مع إيران قائمة جراء برنامج طهران النووي. على أنه لاحقاً بدت تصريحات إيرانية أخرى أقل حدة، فقد قال مندوب إيران بالأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، إذا لم تهاجم إسرائيل طهران ومصالحها لن نتدخل في صراع غزة.

المعنى نفسه وجدناه في تأكيدات الرئيس الإيراني نهار الأحد للرئيس الفرنسي، حين قال رئيسي، “إن الفصائل الفلسطينية تتخذ قراراتها بنفسها”.

غير أنه في طي حديث “إيراواني”، تبدو هناك ألغام قائمة وقادمة، فـ”حماس” من مصالح طهران و”حزب الله” ذراع إيرانية وجماعات مسلحة عديدة قائمة في سوريا وبالقرب من الجولان تعد أدوات إيرانية لا محالة، وهذه جميعها ربما ستبادر بعمل مع حال رأت الغزو البري لقطاع غزة ماضياً قدماً، وهو ما تنتويه إسرائيل في كل الأحوال في محاولة لغسل عار ما لحق بها نهار السابع من أكتوبر، هل يعني ذلك أن العمل العسكري تجاه إيران أمر مرجح؟ وأن ساحة إيران العسكرية مفتوحة على سيناريوهات المواجهة قولاً وفعلاً؟

الهجوم البري على غزة والجبهة الإيرانية

في تصريحات لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية يوم التاسع من أكتوبر الجاري، أفاد رئيس مكافحة الإرهاب السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية برنادرد هدسون، بأنه في الصراعات السابقة بين العرب وإسرائيل، كان الاتحاد السوفياتي هو الداعم الأساس لأعداء إسرائيل، وأنه كان دائماً قادراً على الضغط عليهم للتوصل إلى نوع من التسوية أو الاعتراف بخط أحمر.

 لكن الاتحاد السوفياتي لم يعد قائماً اليوم، ولم تعد روسيا الاتحادية تعتبر إسرائيل عدواً دائماً، فهل باتت إيران في دعمها للفصائل المقاومة لإسرائيل بديلاً للاتحاد السوفياتي في شكل معاصر؟

 الصحيفة الأميركية ذاتها نشرت تصريحات لمسؤول إيراني، جاء فيه، إن بلاده جاهزة لإرسال مقاتلين إيرانيين من سوريا لمهاجمة مدن في شمال وشرق إسرائيل، بل إنها على أتم الاستعداد للرد بهجمات صاروخية إذا عرضت بلاده لهجوم من أي نوع.

 يعني لنا هذا أن نتساءل، “هل من مصداقية أو موثوقية لمثل هذه التهديدات أم أنها مجرد رطانة لغوية من غير قدرة على الفعل؟

 بالرجوع إلى موقع “ووردل فيو ستراتفور”، أحد أهم المواقع ضمن مجموعة الأبحاث الاستراتيجية التي تعد استخبارات للظل في الداخل الأميركي، نجد أن إسرائيل قد وجهت عديداً من الضربات لأهداف إيرانية بعضها يقع في القلب من إيران نفسها، كما الحال مع هجوم الطائرات المسيرة على مجمع للتصنيع العسكري وسط مدينة أصفهان الإيرانية في يناير (كانون الثاني) 2023، الذي تسبب في  بعض الأضرار بالمجمع باعتراف وزارة الدفاع الإيرانية عينها.

 فيما عديد من الأهداف الإيرانية القائمة على الأراضي السورية، خصوصاً مصانع الأسلحة والصواريخ والمطارات السورية العسكرية تلقت طوال الأعوام الماضية عديداً من الضربات العسكرية التي لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها بشكل مباشر، ومع ذلك التزمت إيران الصمت.

 ما الذي سيتغير هذه المرة وقد يدفع إيران إلى الدخول مرغمة إلى ساحة الحرب؟

الثمن المتوجب… إيران وعملية 7 أكتوبر

من الواضح أن هناك علامة استفهام لا تزال الإجابة عنها غير واضحة تتصل بالدور الإيراني في ما جرى نهار السابع من أكتوبر.

 هذا الجواب حتماً سيترتب عليه كثير من التطورات العسكرية في المنطقة، خصوصاً حال تم التثبت من دور إيران في الترتيب والإعداد لهذا العمل العسكري غير المسبوق في تاريخ إسرائيل منذ حرب السادس من أكتوبر عام 1973.

نهار الحادي عشر من أكتوبر الجاري، كان مستشار الأمن القومي جاك سوليفان يصرح للصحافيين في البيت الأبيض بالقول، “نتطلع إلى الحصول على مزيد من المعلومات الاستخباراتية حول دور إيران في ما جرى”.

قبل سوليفان كانت “وول ستريت جورنال” تقطع بأن لقاءات جرت في بيروت بين ضباط في الحرس الثوري الإيراني وقيادات عسكرية من “حماس”، بل أكثر من ذلك أن قيادات عسكرية إيرانية وجدت طريقها إلى غزة وباشرت بالفعل تدريب الحمساوية على العمل العسكري هذا.

والشاهد أن تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، وإن نفت في بداية المشهد وجود علاقة مباشرة بين ما جرى في غلاف قطاع غزة وبين إيران، إلا أنها تركت الباب مفتوحاً بقوله، “نعلم تمام العلم الروابط بين إيران وبين حماس”.

 والمعروف أنه لسنوات عديدة كانت إيران هي المزود الرئيس لـ”حماس”، حيث دعمتها وزخمتها بكثير من الأسلحة والتدريب وعشرات الملايين من الدولارات، فضلاً عن الدعم الفني والأيديولوجي الواسع.

وبالنظر إلى الحجم الواسع غير المسبوق لهجوم “حماس” الأخير، إضافة إلى اعتقاد مراقبين على نطاق واسع بأن إيران ترى الهجوم أمراً إيجابياً لمصالحها في المنطقة، فإن عديداً من التساؤلات تدور حول ما إذا كان بوسع “حماس” تنفيذ مثل هذه العملية المعقدة دون مساعدة إيرانية مباشرة.

تنقل شبكة “سي أن أن” عن الجنرال المتقاعد القائد السابق للقيادة المركزية الأميركية فرانك ماكنزي قوله، “لم تقم حماس ببناء نظام التوجيه وتلك الصواريخ في غزة، بالتأكيد حصلوا عليها من مكان ما، ومن المؤكد أن المساعدة التكنولوجية لتجميعها جاءت من إيران”.

 هنا يبقى السؤال المصيري، “ماذا لو تحصل مجمع الاستخبارات الأميركي، أو قدمت إسرائيل أدلة لا تقبل الشك بأن إيران كانت وراء هجمات السابع من أكتوبر؟

هل يشهد الخليج “براينغ مانتيس2″؟

بالقرب من نهايات حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق حدثت عملية “براينغ مانتيس”، أو “فرس النبي” كان ذلك في 18 أبريل (نيسان) 1988.

 في ذلك الوقت شنت القوات المسلحة الأميركية هجوماً عسكرياً كاسحاً أطاح نصف الأسطول الإيراني تقريباً عقاباً لطهران على قيامها بتلغيم مياه الخليج العربي، الأمر الذي أدى إلى إصابة الفرقاطة الأميركية “صموئيل روبرتس” بلغم بحري.

 هل يمكن أن يتكرر المشهد ونرى عملية مشابهة حال تأكد للجانب الأميركي الدور الإيراني في عملية غزة؟

 الثابت أن الحديث الأميركي لم ينقطع عن وجود الطرح العسكري على مائدة الخيارات الأميركية تجاه إيران جراء برنامجها النووي بنوع خاص، هنا وحال القطع النهائي بأن إيران متورطة في العمل العسكري ضد إسرائيل، فإنه غالب الأمر ستكون إيران عرضة لعمل عسكري سواء من جانب تل أبيب أو واشنطن أو الاثنتين معاً.

 هل من ملامح أو معالم لهذا العمل الذي يمكن أن يبدأ تأديبياً أول الأمر؟

 غالب الظن سيرى العالم نموذجاً مشابهاً لما جرى في منطقة البلقان نهاية تسعينيات القرن الماضي مع نظام ميلوسوفيتش، بمعنى أنه لن تكون هناك عمليات غزو عسكري ولا دخول قوات برية إلى العمق الإيراني، سيما أن المطلوب من هذه الضربة سيكون قاصراً على إجبار طهران على تغيير سلوكها، وتغيير السلوك باستخدام الآلة العسكرية يبدأ عادة تدريجاً من خلال قصف هدف أو هدفين من أغلى الأهداف النووية الإيرانية، ويكفي قصف ليلة واحدة  فقط كرسالة ردع وثأر لما حدث في منطقة غلاف غزة.

 لكن من جديد نقول، إن هذا أمر مشروط بإظهار تورط إيران أمام العالم كله في عملية “حماس” الأخيرة. ما الذي سيكون من شأن الرد الإيراني؟

“فورد” و”أيزنهاور” وميزان الانتباه العسكري

الذين لديهم علم من أمور حاملتي الطائرات اللتين تحركتا إلى مياه البحر الأبيض المتوسط، يدركون تمام الإدراك أنه ليست المواجهات في غزة هي المقصودة، وإنما التجهز للمواجهة مع إيران، سواء كانت مواجهة أولية أو نهائية.

يعتمد الأمر على ردات فعل وكلاء إيران في المنطقة لا سيما “حزب الله” بنوع خاص، وعلى الحوثيين في البحر الأحمر، وما يمكن أن يقدموا عليه، وهل الأمر سيستدعي تداعي مزيد من قوة الأساطيل الأميركية إلى المنطقة؟

 تالياً سيتابع العالم كيف سترد إيران على سيناريو التأديب؟ وهل ستقبل طهران الإهانة وتبتلعها في صمت من غير رد يذكر أو في حدود ما هو مسموح به؟ أم أنها ستتجاوز عتبة ما يعرف في العلوم العسكرية بـ”ميزان الانتباه العسكري”. ماذا يعني ذلك؟

 من دون الإغراق في التفاصيل العسكرية، يعني هل ستأخذ بالاعتبار القوة العسكرية الأميركية في العالم وليس المنطقة في حسابات ردها؟ أم أنها ستمضي في طريق التهور وتقصف أهدافاً أميركية عالية وغالية، سواء في البر أو البحر، وربما توجه ضربات لحلفاء واشنطن في المنطقة برمتها؟

هنا سيكون لأميركا أن تفتح الأوركسترا العسكرية الخاصة بها من خلال قصف أهداف حيوية تشل الحياة في الداخل الإيراني، وهو حديث مطول وفي حاجة لقراءة مقبلة، سيما إذا عمدت طهران إلى قصف تل أبيب بصواريخ تهدد الدولة العبرية.

 التساؤلات المثيرة والمخيفة في أزمة غزة تبدأ من عند المواجهات التقليدية ويمكن أن تمتد وصولاً إلى المواجهات بأسلحة غير تقليدية؟

هل نقصد بها النووي؟  كل الاحتمالات واردة حال وجدت القوى الغربية أن دولة إسرائيل تواجه تهديدات مصيرية وجودية بسبب من حولها، الأمر الذي يفتح الأبواب أمام مزيد من التوقعات السلبية لمستقبل حالة السلم العالمي.