يعيش إقليم كردستان العراق نوعاً من “عدم الاستقرار” في تحديد خياراته الاستراتيجية الإقليمية، فبينما تتمدد تركيا سياسياً وميدانياً بسبب دورها في تغيير النظام السوري، ويتراجع دور إيران في الملفات الإقليمية، يعيش إقليم كردستان الواقع بين البلدان الثلاثة، مرحلة قلق سياسي.
الحكومة والساسة في الإقليم يُعبرون عن حيادهم التام عن الصراعات الإقليمية، مفضلين عدم الميل نحو أي طرف والتريث إلى حين استقرار المعادلات الإقليمية الجديدة. فالإقليم يعتبر نفسه فاعلاً إقليمياً “صغيراً نسبياً”، لا يُمكنه خلق أي استقطاب أو الدخول في تحالفات قد تمس الأمن القومي لواحدة أو أخرى من القوى الإقليمية.
تعاطى الإقليم مباشرة مع الحالة السورية الجديدة، إذ أصدر زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني الرئيس الأسبق للإقليم مسعود بارزاني بياناً إيجابياً موجهاً إلى رئيس إدارة العمليات في سوريا أحمد الشرع، بعد تصريحات الأخير بشأن أكراد سوريا، اعتبرها مناسبة وتعبيراً عن إمكان بناء علاقة إيجابية مستقبلية بين الطرفين.
لكن أياً من ساسة الإقليم أو قادة أجهزته الأمنية لم يزُر سوريا حتى الآن، مثلما فعلت الكثير من دول المنطقة. لكن مصادر خاصة في الإقليم أفادت”النهار” بوجود اتصالات مباشرة بين “إدارة العمليات” السورية وإقليم كردستان، وإن على المستوى غير السياسي، مؤكدة وجود أجواء إيجابية بين الطرفين.
وحدها الحركة الإسلامية في إقليم كردستان أعلنت افتتاح ممثلية لها في العاصمة السورية دمشق. الحركة التي تُعتبر امتداداً وتعبيراً عن التيارات السلفية في كردستان، رحبت بما حدث في سوريا عن طريق رئيسها عرفان علي عبدالعزيز الذي قال إن الأجواء العامة في سوريا تتجه نحو الأفضل، مشدداً على أهمية ما أسماه “ضمان الحريات وتعدد الثقافات”. وكان الحزب الديموقراطي الكردستاني أغلق مكتبه التمثيلي في العاصمة السورية دمشق منذ سنوات، رداً على ممارسات النظام السوري أثناء الثورة السورية، فيما احتفظ الاتحاد الوطني الكردستاني بمكتبه.
وشجع الإقليم الأحزاب الكردية المقربة منه المنضوية تحت مظلة “المجلس الوطني الكردي” على التعاطي الإيجابي مع الحالة السورية الجديدة، إذ تدفق الكثير من قيادات المجلس إلى العاصمة السورية دمشق. لكن ضمان أمن أكراد سوريا والمستقبل السياسي لهم، بقيا الشاغل والضابط الرئيسي لتعاطي الإقليم مع الحالة السورية الجديدة، حسبما أكد رئيس وزراء الإقليم مسرور بارزاني أثناء اجتماعه مع قائد قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال كيفين ليهي، إذ أكد بارزاني ضرورة “الحفاظ على أمن سوريا واستقرارها ، وضمان احترام حقوق الشعب الكردي وبقية المكونات فيها”.
مواقف الإقليم بقيت مضبوطة بالرؤية العامة للعراق تجاه الملف السوري، بحكم الدستور ورغبة الإقليم في أن يكون موقفه مستنداً إلى عمق وطني عام. فالعراق الذي أعلن مخاوفه الشديدة مما يجري في سوريا، عاد وأرسل رئيس جهاز المخابرات حميد الشطري إلى العاصمة السورية، فيما وضع وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين الموقف العراقي ضمن المظلة العربية الكبرى وموقفها من الحالة السورية.
لكن الهاجس الرئيس للإقليم متأت من إمكان تصعيد إيران موقفها من الحالة السورية الجديدة، ودخولها في حالة صِدام مع السلطة السورية والنفوذ التركي فيها، عبر النفوذ الإيراني الاستراتيجي ضمن العراق، وقدرته على التأثير على كردستان بناء على ذلك. كذلك لوجود حدود برية طويلة بين الطرفين وعلاقات تجارية وسياحية واسعة، هذا إلى جانب النفوذ الإيراني على أغلب الأحزاب الكردية في الإقليم، بالذات الاتحاد الوطني الكردستاني.
وكان المرشد الإيراني علي خامنئي أشار إلى إمكان تصعيد إيران موقفها في سوريا، وتالياً إمكان إجبار الفاعلين الإقليميين الأصغر حجماً –مثل كردستان- على الانزياح إلى جانب واحد من قطبين، أما إيران أو الحالة الجديدة في سوريا. فقد قال خامنئي في أول تعليق على ما جرى في سوريا “الثوار تسببوا بالفوضى، والآن يعتقدون أنهم حققوا النصر، وبدأوا التفاخر بشكل مبالغ فيه.. الشاب السوري ليس لديه ما يخسره؛ جامعته غير آمنة، مدرسته غير آمنة، منزله غير آمن، شارعه غير آمن، حياته غير آمنة، فماذا يفعل؟ يجب أن يقف بقوة وإرادة ضد أولئك الذين خططوا لهذه الفوضى، وأولئك الذين نفذوها”.
الباحث والكاتب شورش أنور سليمان شرح لـ”النهار” ما اسماه “التوازن الداخلي” في إقليم كردستان، والذي على أساسه يتم بناء الموقف من التغيرات الإقليمية، وقال: “الإقليم راهناً مُقدم على تشكيل حكومة محلية جديدة، من المتوقع أن تتألف بالأساس من الحزبين الرئيسيين في الإقليم، الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني. وهذان الحزبان كانا تقليدياً يمثلان التوازن الداخلي في الإقليم، فالديموقراطي كان أقرب وأكثر تداخلاً مع النفوذ التركي في العراق وبالذات في كردستان، فيما كان الاتحاد الوطني أقرب وأشد ارتباطاً بإيران. راهناً، فيما تقترب حكومة الإقليم من التشكل، فإنها لن تكون حكومة بحسب برنامج خدمي واقتصادي فحسب، بل أولاً توافق على موقف الإقليم من التوازنات الراهنة، التي أعتقد أن زمناً طويلاً سيمضي إلى أن تستقر توازناته، وطوال هذه الفترة سيبقى الإقليم غير مستقر على أي من التحالفات”.