تفرض تطورات المشهد السوري، منذ إطاحة نظام بشار الأسد، إيقاعاً استثنائياً على الأردن الذي أرسل في أحدث وأبرز تحركاته يوم الاثنين وفداً رفيع المستوى إلى تركيا ضم وزير الخارجية أيمن الصفدي وقائد الجيش يوسف الحنيطي ومدير المخابرات أحمد حسني لعقد محادثات موسعة بشأن أحداث الإقليم.

 

ورغم أن الصفدي كان زار دمشق والتقى القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع وسط تبادل للتصريحات “الإيجابية”، يدرك الأردن جيداً حجم الدور الذي تلعبه تركيا في تفاصيل المشهد السوري ومستقبله، وأن لا غنى عنه بالنسبة إلى المملكة التي تتطلع إلى علاقات مستقرة ومتقدمة مع سوريا على المستويات السياسية والأمنية والتجارية والاقتصادية.

 

 

 

وفي مؤتمر صحافي مع نظيره التركي هاكان فيدان عقب تلك المحادثات، أكد الصفدي أن “أمن سوريا واستقرارها من أمن الأردن وتركيا واستقرارهما لأنهما دولتا جوار، وهما الأقدر في المنطقة على مقاربة قضاياهما ويجب أن يكون لهما دور رئيس في مواجهة التحديات في المنطقة”.

وفيما لفت الصفدي إلى أن “اللقاء جاء لتنسيق الجهود التي نبذلها من أجل الشعبين السوري والفلسطيني”، شدد على “رفض الأردن أن يعيد الإرهاب وجوده ومكانه في سوريا، كما لا نريد حدوث اقتتال في سوريا”.

 

 

 

فيدان قال، من جهته، إنه منذ اليوم الأول لسقوط الأسد كان لدى بلاده تنسيق مع الأردن، وإن أنقرة وعمان متفقتان في ما يخص استقرار سوريا وإعادة إعمارها ووحدتها واستقلالها، وجرى الاتفاق على وضع خريطة طريق لتقديم الدعم للشعب السوري بالتنسيق مع السوريين.

وأشار فيدان إلى أنه “تمت مناقشة مكافحة الإرهاب مع الأردن، بالإضافة إلى التطورات في العراق والمنطقة بشكل عام، وستكون هناك اجتماعات مقبلة بين تركيا والعراق والأردن وسوريا ولبنان من أجل مناقشة الأوضاع”.

معرفة النوايا التركية
ومن وجهة نظر رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، فإن “الزيارة ربما تأتي في إطار معرفة النوايا التركية تجاه الملف السوري ومستقبله، خصوصاً أن للأردن اهتمامات في مواجهة قضايا الإرهاب والمخدرات، لأن التنسيق مع تركيا في هذه الملفات يعزز تأثير الطرفين في الداخل السوري”.

ويقول شنيكات إن “تطورات الأوضاع في سوريا زادت من مستوى التنسيق بين الأردنيين والأتراك، بشأن الخطوات الواجب اتخاذها تجاه ما يحدث هناك، علماً أن لتركيا الآن التأثير الأكبر في ما يجري في الداخل السوري، بحكم أن الجماعات التي سيطرت بعد سقوط النظام كانت ترعاها تركيا، وبالتالي هناك نوع من العلاقة الخاصة التي ينبغي أن تتوطد بين عمان وأنقرة”.

ويعرج شنيكات في حديثه إلى “النهار” على العلاقات الأردنية – التركية، قائلاً إنها “تطورت بشكل تدريجي، وساهمت أحداث إقليمية، خصوصاً الحرب الإسرائيلية على غزة، في مزيد من التنسيق بين الطرفين على المستوى الثنائي وكذلك على المستوى الإقليمي، وكلا الطرفين حضر في السعودية القمة العربية الإسلامية”، لافتاً إلى أنها “شهدت تطورات في المجال الدفاعي والتعاون الأمني في الصناعات، وفي حجم التبادل التجاري الذي يزيد على 900 مليون دينار أردني، وهو رقم كبير نسبياً مقارنة بفترات سابقة”.

والطرفان أيضاً، بحسب شنيكات، “معنيان بقضايا أخرى مثل ما يجري في الضفة الغربية وكذلك ملف القدس”.

 

تنشيط للعلاقة مع تركيا
أما الكاتب ونقيب الصحافيين الأردنيين راكان السعايدة، فيرى أن “طبيعة الوفد الأردني بطابعه السياسي والعسكري والأمني، تعطي إشارات قوية إلى أن هذه الزيارة ستناقش تفاصيل بمستوى كل عضو من أعضاء الوفد، بمعنى أن النقاش مع الجانب التركي سيدخل في تفاصيل سياسية وأمنية”.

ويقول السعايدة لـ”النهار” إن “الملف السوري هو الأبرز كونه أكثر ملف يعني الأردن الآن، من دون التقليل من أهمية ملف القضية الفلسطينية، أي أن النقاش مع الأتراك سيتركز بالأساس على الملف السوري والسبب ببساطة أن تركيا هي اللاعب الأهم والأكثر تأثيراً في سوريا وتمسك بالكثير من خيوط اللعبة هناك”.

ويضيف: “لأن سوريا جارة للأردن ونظراً إلى حالة الغموض في مآلات المشهد السوري على الأردن سياسياً وأمنياً، فإن المملكة تحتاج إلى أن يكون الأتراك بصورة موقفها وتصوراتها وحتى مخاوفها، وتريد في المقابل أن تسمع من الأتراك تصوراتهم لمستقبل سوريا وطبيعة نظامها السياسي المقبل”.

ويتابع السعايدة: “علينا أن نعلم أن الأردن لن يتهاون تجاه أمنه القومي وسيكون شديد الوضوح مع كل الأطراف، بمن فيهم التركي إزاء هذا الأمر، وأعتقد أيضاً أن الأردن ومن منطلق مصالحه يريد تنشيط علاقته مع الأتراك في سياق المستجدات الإقليمية، خصوصاً في سوريا ومن ثم في فلسطين”.