يُقال إن كلّ الأمور الجيدة لا بد أن يكون لها نهاية. وبالطبع، ينطبق القول نفسه على الأمور السيئة أيضاً أو هذا ما لاحظناه مؤخّراً في كل من سوريا ولبنان على الأقل.

فقد تخلص السوريون في شهر كانون الأول (ديسمبر) من نظام الأسد القمعي الذي حكم البلاد بالترهيب والتعذيب والاستبداد لأكثر من خمسة عقود. واستُبدل النظام بحكومة انتقالية بقيادة زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني.

كما انتخب لبنان، العماد جوزيف عون رئيساً للبلاد يوم أمس بعد فراغ دام لعامين. ويمكن اعتبار عون أوّل رئيس للبلاد يُنتخب بشكل حر منذ العام 1990، أي من دون تعرّض العملية الانتخابية لأي تأثير أو ضغوط من قبل النظام السوري أو حزب الله.

نعم، يُمكن القول إن وصول كل من الشرع وعون إلى السلطة أتى كنتيجة مباشرة لتضاؤل نفوذ وكلاء إيران في المشرق العربي. ومع ذلك، لا يضمن الفراغ في السلطة دائماً بروز بديل أفضل. ففي الواقع، أدى الفراغ في الكثير من الأحيان على مرّ التاريخ إلى انتشار الفوضى ووصول أنظمة أسوأ إلى الحكم.

لا يزال من السابق لأوانه أن نحكم على الزعيمين الجديدين في سوريا ولبنان بناءً على أفعالهما، إلّا أنه لا يُمكن للمرء إلّا أن يُقدّر التعهدات المنعشة بالفعل التي عبّر عنها كل من الشرع وعون، كما الوعود المُطمئنة التي قطعاها.

كان يخاف الكثيرون من تحويل الشرع سوريا إلى دولة إسلامية أيديولوجية نظراً لخلفيته، إلا أنه فاجأ الجميع بتعهده بالشمولية وضمان حقوق الأقليات وبقوله إن الغرب ليس لديه ما يخشاه في ما يتعلق بسوريا. كما ذهب إلى حد القول إن البلاد ليست في حالة تسمح لها بشنّ حروب وتريد التركيز على إعادة الإعمار وإعادة البناء.

يتمتع الشرع فعلياً بسلطة مطلقة. وعلى الرغم من ذلك، أصر على القول في العديد من المقابلات الإعلامية إنه سيترك التشريع للمشرعين ودعا إلى حوار وطني عاجل لضمان سنّ دستور جديد للبلاد.

انتُخِب عون رئيساً بعد ذلك بوقت قصير. ولم يضيّع هذا الأخير أي وقت وأوضح معالم عهده قائلًا إن “لبنان لن يكون بعد الآن بلداً للمافيات أو تجارة المخدرات أو غسيل الأموال”، حيث تُعدّ هذه رسالةً مطمئنة لدول الخليج والدول العربية.

كما أوضح أنه لن يفاوض على السيادة اللبنانية. وسيكون السلاح بيد الدولة وحدها، بينما يحتفظ الجيش وحده بالحق في حماية الحدود اللبنانية وسيواجه أي خروقات إسرائيلية. وتأتي هذه بمثابة رسالة مباشرة إلى أي مسلح أو مجموعة مقاومة مزعومة تقرر أن تأخذ تنفيذ القانون على عاتقها.

وقد سمع اللبنانيون بالضبط ما كانوا بحاجة إلى سماعه، أي: “إذا سقط أحدنا، سقطنا جميعاً. ولن تكون هناك حصانة للمجرمين أو الفاسدين، كما أنه لن يكون هناك تدخلات في القضاء”.

لعلنا نؤمن في الشرق الأوسط عن حقّ بأن الأفعال أبلغ من الأقوال، نظراً إلى المرات العديدة التي خاب ظنّنا فيها في الماضي. ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن ينكر أن الكلمات الصادرة عن الشرع وعون هي بالضبط ما كنا نتوق إلى سماعه لفترة طويلة.

ولا بدّ أن تتطابق أفعالهما مع أقوالهما. ولكن، إن كان الزعيمان صادقين وملتزمين برؤيتهما، فيبدو من الواضح أنهما سيحصلان على الدعم الكامل من المملكة وغيرها من الدول.

لعلّه من المطمئن أيضاً أنه في كلا الحالتين، أي سوريا ولبنان، يستحيل تقريباً أن يكون الآتي أسوأ مما سبق. ويمكننا في الوقت الراهن أن نبتهج لأن زعيمي البلدين، من خلال أقوالهما على الأقلّ، يبدوان كرجلي دولة حقيقيين ويستحقان بالتالي أن نتمنى لهما كل التوفيق.