دلالات عدة حملها المؤتمر العربي الدولي بشأن سوريا، الذي استضافته العاصمة السعودية الرياض، عقب شهر ونيف على سقوط نظام بشار الأسد وتسلّم السلطة الجديدة بزعامة أحمد الشرع مقاليد الحكم، لعلّ أبرزها الحرص الشديد على المساعدة بتثبيت الاستقرار في البلاد التي استنزفتها حرب مدمّرة، وبالتالي إنهاء معاناة شعب استمرّت طوال 14 عاماً.
ولتحقيق ذلك كان لا بدّ من التشديد على مسألتين في غاية الأهمية، الأولى رفع العقوبات الأحادية والأممية التي فُرضت على سوريا منذ العام 2011 بأسرع وقت ممكن، أما الثانية فهي ألا تكون سوريا مصدراً للتهديدات في المنطقة، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة، والتزام السلطات الجديدة مكافحة الإرهاب، واعتمادها نهج الحوار مع كافة الأطراف السورية، لتذليل أيّ مصادر قلق لديها، والبدء بعملية سياسية تضمّ مختلف المكوّنات.
ويشير الحضور الرسمي رفيع المستوى لهذا المؤتمر، ودعوة الجانب السوري ممثلاً بوزير الخارجية في الحكومة الانتقالية أسعد الشيباني للمشاركة فيه، إلى جدّية الدول المشاركة فيه بتحقيق الأهداف المرجوّة، بالتعاون مع السلطات السورية الرسمية، مع الاحترام الكامل لخيارات الشعب السوري ورفض أيّ تدخّل خارجيّ في هذا السياق.
ويقول الكاتب والباحث السعودي سالم اليامي، لـ”النهار”، إنّ أهم الرسائل التي أراد مؤتمر الرياض إيصالها هي “ترحيب المنظومة الدولية بسوريا الجديدة. ولكن هذا الترحيب لا يزال مشوباً ببعض الحذر من بعض الأطراف”. ويضيف: “هناك اعتقاد لدى هذه المنظومة بأن سوريا الجديدة قد تكون أكثر تماهياً وتعاوناً في حفظ الأمن والسلام في المنطقة، وفاعلة في المنظومة الدولية أكثر من سوريا السابقة، التي كانت باتجاه واحد، ولون واحد، وسيطرة خارجية”.
ويتابع: “كان هناك تركيز بطريقة غير مباشرة، لكنها واضحة، على أن المنظومتين الإقليمية والدولية تقولان للقيادة الجديدة في سوريا إنّنا سنساعدكم على بناء الدولة وليس الجماعة والتنظيم، أي إنّ الجميع ينتظر من السوريين عملاً حقيقيّاً يجعلهم في مصاف من يبني دولة مغايرة للّتي عرفوها خلال العقود الماضية، وتكون أكثر تماهياً مع الطروحات السائدة في المنطقة”.
بدوره، يرى الكاتب والباحث السياسي السوري محمد نادر العمري، في حديث مع “النهار”، أنّ أهمية المؤتمر تعود بداية إلى مكان انعقاده، فـ”السعودية لديها مركز وثقل عربي وإسلامي، ويمكن أن تؤدي دوراً كبيراً في دعم سوريا في كلّ المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية”، ويضيف: “الأمر الثاني أنه استكمال لمؤتمر العقبة، لكنه بحضور سوري هذه المرة؛ وهذا يدلّ على أنّ سوريا شريكة ومعنيّة. والنقطة الثالثة أنه شمل قمّتين: الأولى عربية، والثانية بمشاركة غربية وأممية رفيعة المستوى”.
ويُعرب العمري عن اعتقاده بأنّ “رفع العقوبات سيكون تدريجياً، وسيستند إلى سياسة الخطوة مقابل الخطوة، في ظلّ مخاوف لدى بعض الدول الإقليمية والدولية، التي تطالب الحكومة الانتقالية باتخاذ إجراءات واقعية وتنفيذية في ما يتعلق بتسريع العملية السياسية ودعوة الجميع إلى حوار وطني، من دون إقصاء أحد، وصولاً إلى الانتخابات الديموقراطية، إضافة إلى مكافحة الإرهاب، وألا تتحول سوريا إلى ساحة لتهديد الدول الاقليمية”.
يوافق اليامي على هذا الرأي، لكنّه يعتبر أنّ القرار بشأن رفع العقوبات قد اتّخذ وأصبح “تحصيل حاصل”، لأن “مطالب المجتمع الدولي متوفرة لدى السلطة الجديدة، وهي ضمن خطّتها، ولم تُفرض عليها”. ويضيف: “هناك ضامنان إقليميان: الأول تركيا، وهناك تعويل أميركي عليها. وقد تحدّث الرئيس المنتخب دونالد ترامب عن اطمئنانه إلى الدور التركي في سوريا؛ أما الثاني فهو المنظومة الإقليمية العربية، خاصة الدول التي تُبدي حماساً في مساعدة السوريين لبناء دولتهم، وذلك لا يُمكن أن يتحقق في ظلّ العقوبات المفروضة”.