يعيش الكثير من اللاجئين السوريين الذين وجدوا في ألمانيا ملاذاً آمناً لهم منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 حالاً من عدم اليقين بعد أن أعلنت الحكومة الاتحادية مراجعة وضع الحماية التي يتمتع بها هؤلاء وخطة للتعامل معهم في المستقبل. ويولد النقاش حول عمليات الإعادة المحتملة حالة من الخوف في صفوفهم بعدما طالبت أحزاب رئيسية بإعادتهم لأن الوضع بات مستقراً في بلدهم بعد سقوط نظام بشار الأسد، مع الإبقاء فقط على من لديه عمل، فيما دعا خبراء ومنظمات إلى التريث لاعتبارات داخلية وإنسانية وأمنية.
شعبوية زائدة
وفي ضوء مطالبات أحزاب بينها الاجتماعي المسيحي في بافاريا بتطبيق سياسة هجرة صارمة وربط حق الإقامة بمن لديه عمل ومن أصحاب الدخل الكافي، رأى السياسي عن المسيحي الديموقراطي تورستن فراي أنه إذا لم يعد هناك من سبب لحق الحماية للسوريين في ألمانيا، يجب تطبيق المعايير نفسها على استمرار إقامتهم كما تلك التي تنطبق على هجرة العمال المهرة، فيما تضمن البيان الانتخابي لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي الدعوة إلى إعادة النظر بعمليات إعادة التوطين واسعة النطاق، وإعادة اللاجئين إلى أوطانهم، وصولاً إلى إمكان نزع الجنسية عن لاجئين مجنسين.
وبين هذا وذاك، اعتبرت السياسية المنتمية إلى حزب الخضر فيليز بولات أنه لا يوجد حالياً أي سبب لمراجعة إلغاء الحماية للمستفيدين السوريين، فيما حذرت رئيسة كاريتاس إيفا ماريا فلسكوب ديفا في حديث صحافي من الشعبوية التي تغذي خلال الحملات الانتخابية الحالية الأحكام المسبقة الزائفة وتضر بشكل دائم بأسس ثقافة الترحيب باللاجئين في المانيا.
الوضع مربك وصعب
وفي ظل شبه الإجماع لدى أحزاب المعارضة على أن حق البقاء ينطبق فقط على من لديه عمل أو تدريب، اعتبر خبراء أن رفع وضع الحماية يجب أن يتم فقط عند الاستقرار الدائم في سوريا، وهذا ما لم يتحقق بعد، مستندين إلى توصيف المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين للوضع في سوريا بأنه ديناميكي ومربك ويصعب تقييمه. ووفق محامين متخصصين في قضايا اللجوء، فإنه حتى ولو قررت الحكومة سحب وضع الحماية فإن الأمر يتطلب إجراء فحص لكل حالة على حدة، وقد تستغرق هذه المراجعات وقتاً طويلاً لتعقيداتها وأعدادها الكبيرة، مذكرين بأنه لا يمكن سحب جواز السفر من المجنسين الذين تجاوز عددهم الـ 200 ألف شخص، كما لا يمكن سحب تصريح الإقامة الدائمة الذي يحق لكل لاجئ التقدم للحصول عليه بعد مرور 5 سنوات على الأقل في البلاد. ويعيش في ألمانيا حالياً 975 ألف سوري حصل أغلبهم على وضع الحماية لأسباب إنسانية بسبب الحرب الأهلية هناك.
الواقعية أولاً
وقالت الباحثة في علم الاجتماع تمارا كيرشر لـ”النهار” إن من المهم مناقشة خطط لعودة اللاجئين إلى سوريا، إلا أن الأمر يعتمد على كيفية مناقشة هذه القضية من دون التسرع واتخاذ قرارات خاطئة وغير واقعية تحت ضغط مطالب بعض الأحزاب لأهداف سياسية غير آبهة بأي تبعات إنسانية أوأخلاقية قد تطال هؤلاء في حال إعادتهم بسرعة، موضحة أن هناك أسباباً إنسانية تتعلق بظروف المعيشة وحماية الأقليات وحقوق المرأة، وسط الخشية من حكم إسلامي في البلاد.
وبخصوص تجميد البت بنحو 47 ألف طلب لجوء تخص السوريين، اعتبرت كيرشر أن القرار ليس خطأ لأن من الضروري، ومن أجل البت بقرارات لجوء آمنة من الناحية القانونية، إعادة التقييم مع التوجس من وصول أفراد من جماعة بشار الأسد إلى ألمانيا.
وأفادت كيرشر بأنه منذ التغيير الذي طرأ على القانون العام الماضي لا ينبغي وصف نحو مليون سوري مقيم بأنهم عبء “بل ينبغي أن ندرك أن عشرات الآلاف منهم باتوا جزءاً من الأجانب المندمجين في البلاد ومورد غير مقدر بشكل واضح”، لافتة إلى أنه تقريباً كل “ألماني جديد” هو من السوريين. وقد حصل نحو 75 ألف سوري على الجنسية عام 2024.
إلى ذلك، يفيد سوريون من المجنسين الجدد بأن اعتماد مثل هذه الإجراءات غير حكيم من الناحية السياسية في هذه المرحلة لأنه يثير الريبة لديهم، وهم الذين يتعاطفون مع الحزب المسيحي الديموقراطي عرفانا بالجميل للمستشارة السابقة أنغيلا ميركل التي سمحت بوصولهم إلى البلاد عندما تقطعت بهم السبل في أوروبا، فضلاً عن أنها ستخلق توقعات بين الناخبين الآخرين من الصعب تحقيقها لأن التنفيذ يستغرق وقتاً طويلاً، وحتى مراجعة الإلغاء لا يمكن أن تتم إلا بعد إعادة تقييم رسمي للوضع في سوريا. ومن زاوية أخرى، فان انخراط السوريين في سوق العمل سيجعلهم مساهمين رئيسيين في إعادة إعمار بلدهم من خلال مساهماتهم المالية في ترميم ممتلكاتهم وبناء ما تهدم.
وعن الحوافز المطروحة للعودة الطوعية، يفيد مطلعون بأن البرنامج معمول به أساساً مع عدد من دول أخرى بينها إيران والعراق ومصر وفنزويلا، وباستطاعة العائدين التقدم للحصول على المال وتذكرة السفر، لكن المبالغ المقترح للعودة الطوعية زهيدة جداً وغير مقبولة.
وتدرس الحكومة الألمانية “تقديم عرض” بإمكان السماح للسوريين بالسفر إلى وطنهم مرة واحدة من دون أن يفقدوا وضع الحماية الذي يتمتعون به. وفي هذا الإطار، أفاد المتحدث باسم وزارة الداخلية ماكسيميليان كال بأن الوزارة تدرس بالتعاون مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين”سبلاً عملية” لذلك، وأن وزيرة الداخلية ترى أن هذا النهج معقول لتشجيعهم على العودة بشكل دائم، والعودة الطوعية إلى سوريا لن تكون ممكنة إلا إذا تمكن الناس من تفقد ممتلكاتهم وأفراد عائلاتهم أولاً، وبأنهم سيكونون آمنين حقاً في وطنهم. وبمعزل عن ذلك، هناك تشكيك في بعض النقاشات حول ما يسمى الزيارات الخاصة لتفقد المنازل واكتشاف الوضع بأنفسهم على أرض الواقع، حتى إن الاتحاد المسيحي يجد أن أي خطوة من هذا النوع ستكون”مغامرة”. وكانت وزيرة الخارجية قالت الأسبوع الماضي إنه يجب منح اللاجئين الفرصة لاستكشاف ما إذا كان خيار العودة الدائمة متاحاً لهم.
