محمد شياع السوداني يعمل على تأكيد صورته كرجل دولة تهمه مصلحة العراق.
حفاوة كبيرة من الملك تشارلز
لندن – استقبل الملك تشارلز الثالث الثلاثاء في قصر باكنغهام رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال زيارته الأولى إلى المملكة المتحدة التي تهدف إلى تعزيز التعاون في مجالات الاقتصاد والأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية. ويقول مراقبون إن الهدف من الزيارة إظهار أن العراق بدأ فعليا بالابتعاد عن سياسات إيران، وأن الأمر يتعلق بتوجه جدي لدى السوداني وليس مجرد مناورة.
ويشير المراقبون إلى أن زيارة السوداني، رغم بعدها الاقتصادي المهم لبريطانيا، تهدف إلى تبديد الصورة التي تكونت لدى دول غربية عن العراق؛ حيث يسود في هذه الدول انطباع أن بغداد لا تزال تحت النفوذ الإيراني، لافتين إلى أن السوداني يعمل على تعزيز استقلاليته عن إيران وحلفائها، ويسعى لبناء علاقات متوازنة خارجيا لدعم مسار استقلاليته كرجل دولة تهمه مصلحة العراق دون سواه.
ويرى المراقبون أن السوداني، الذي استلم رئاسة الحكومة في ظروف صعبة، نجح في اجتياز الامتحان الصعب برصانة رجل دولة محاط بكل أنواع التحديات، وأن ما يهمه هو تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي بما يحسّن ظروف عيش العراقيين بدرجة أولى.
السوداني نجح في اجتياز امتحان صعب برصانة رجل دولة محاط بكل أنواع التحديات، وما يهمه هو تحسين أوضاع العراقيين
ورغم النفوذ السياسي لأحزاب إيران تمكن السوداني من إحداث توازن في علاقات العراق الخارجية من خلال تحسين العلاقات مع دول الخليج وتركيا وإظهار حياد إيجابي في الملف السوري، وتوازن اقتصادي عبر تنويع الشركاء وفتح الباب أمام استثمار الشركات الغربية والروسية والصينية دون انحياز إلى أي دولة أو حلف.
ويريد رئيس الوزراء العراقي الانفتاح على الغرب لتجنب تأثيرات سلبية على العراق يمكن أن تنشأ عن عقوبات غربية أكثر تشددا حيال إيران، خاصة أن الفترة الفاصلة عن موعد استلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه أقل من أسبوع، وهو مهندس سياسة “الضغوط القصوى” على إيران خلال ولايته الأولى.
ومن شأن التفهم الغربي لتوجهات السوداني أن يساعده على الاستمرار في مسعاه للحد من نفوذ الميليشيات الموالية لإيران سياسيا واقتصاديا وأمنيا.
وأعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي في بيان مشترك الثلاثاء أن العراق وبريطانيا اتفقا على حزمة تجارية تصل قيمتها إلى 12.3 مليار جنيه إسترليني (أكثر من 14 مليار يورو). وقالت رئاسة الحكومة البريطانية إن المبادلات التجارية بين البلدين ستتضاعف عشر مرات.
والتقى رئيس الوزراء العراقي، الذي حمله إلى الحكم تحالف أحزاب مؤيدة لإيران، الملك تشارلز صباحا وجرى خلال اللقاء “استعراض التعاون الثنائي بين العراق والمملكة المتحدة، وسبل إقامة شراكة منتجة في مختلف المجالات الاقتصادية والتنموية. كما جرى التطرق إلى التعاون في مجال مواجهة تحديات التغيرات المناخية، وفرص تعزيز التعاون الثقافي،” بحسب المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء. والتقى السوداني أيضا رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر.
وقال مكتب السوداني إن “تفاهمات مهمة مع شركات بريطانية سوف تعلن في الزيارة،” فضلا عن “اتفاقية شراكة إستراتيجية”. وستعقد اجتماعات مع رؤساء شركات، وخاصة ممثلين عن شركة النفط العملاقة “بي بي”.
وتحدث ستارمر في بيان مساء الاثنين عن “عصر جديد في التعاون بين المملكة المتحدة والعراق من شأنه أن يحقّق منافع متبادلة، (بدءا) من التجارة (وصولا) إلى (مجال) الدفاع.”
وأجرى رئيس الوزراء العراقي اجتماعا مع وفد شركة ستيلر إينرجي للطاقة بهدف مناقشة بنود الاتفاقية المزمع إبرامها بين وزارة الكهرباء والشركة في مجال الإنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية في البلاد.
وقال السوداني إن العراق “ماض بخططه في مجال توسعة قطاع الطاقة واستثمار الغاز المصاحب لإنتاج النفط الخام في تغذية محطات إنتاج الطاقة.”
من جانبه أكد المدير التنفيذي لستيلر إينرجي بيتر جيبسون أن عمل الشركة في المشاريع الحالية يمضي وفق التوقيتات الزمنية لها، واستعدادها للتعاون مع العراق ضمن تخصصاتها البارزة في مجال تبريد المحطات التوربينية وباقي المشاريع المتعلقة بإنتاج الطاقة الكهربائية.
وقال بيان بريطاني إنّ ستارمر والسوداني “سيباشران مناقشات” حول “اتفاقية جديدة بشأن عودة مهاجرين” تمّ الكشف عنها في نهاية نوفمبر الماضي، بهدف “دعم مكافحة الهجرة غير النظامية.” وأضاف البيان “بمجرد إبرامه، سيضمن الاتفاق أن يتمّ بسرعة ترحيل أولئك الذين لا يحقّ لهم التواجد في المملكة المتّحدة.”
وتابع أنّ لندن صدّرت إلى بغداد معدّات بقيمة 66.5 مليون جنيه إسترليني (أكثر من 79 مليون يورو) “لتعزيز الحدود العراقية وتفكيك عصابات تهريب البشر.”
ندية بين بغداد ولندن
ندية بين بغداد ولندن
وعلى خطى حكومات المحافظين التي سبقتها إلى السلطة، جعلت حكومة حزب العمّال برئاسة ستارمر الحدّ من الهجرة غير النظامية، وكذلك الشرعية منها، إحدى أولوياتها.
وتشمل المحادثات شقا أمنيا إذ تبدأ السلطات العراقية اعتبارا من سبتمبر 2025 الانسحاب التدريجي لقوات التحالف الدولي لمكافحة الجهاديين الذي تشكل عام 2014 بقيادة واشنطن ومشاركة المملكة المتحدة وفرنسا خصوصا.
وقال السوداني لوكالة فرانس برس مساء الاثنين “هناك بيان مشترك حول التعاون الأمني بين العراق والمملكة المتحدة (…) خصوصا بعدما تم الاتفاق على الشكل أو الترتيبات لإنهاء العلاقة، علاقة التحالف الدولي ومهمة التحالف الدولي في العراق، وفق ما أعلن سابقا.”
ويفتح انسحاب التحالف الدولي الباب أمام شراكات ثنائية مع كل دولة بما يفيد العراق.
وفي أوضاع إقليمية متفجرة أجّجتها الحرب في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس، نفذت الجماعات المسلحة العراقية الموالية لإيران عشرات الغارات بمسيرات وهجمات صاروخية في شتاء عام 2023 ضد جنود التحالف الدولي.
ولتجنب تصعيد العنف على الأراضي العراقية بدأ السوداني مباحثات مع واشنطن حول مستقبل التحالف الموجود أيضا في سوريا لمحاربة جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي ما يتعلق بالعراق، على المستشارين العسكريين الأجانب للتحالف أن يباشروا انسحابهم من القواعد العسكرية في العراق الفيدرالي اعتبارا من سبتمبر 2025. أما المرحلة الثانية من الانسحاب فستبدأ في سبتمبر 2026 لقوات التحالف المنتشرة في منطقة كردستان شمال العراق.
وفي عام 2003، رغم معارضة كبيرة من الرأي العام البريطاني، انضمت المملكة المتحدة إلى عملية غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة من دون تفويض من الأمم المتحدة، ما فتح الباب أمام واحدة من أكثر الصفحات دموية في تاريخ البلاد.