مواقف تستفز إسرائيل

لندن – تبدي إسرائيل حساسية مفرطة إزاء تصريحات لمسؤولين غربيين تعبر عن تعاطفهم مع المدنيين في غزة وتعتبرها دعما للإرهاب، وهو ما يندرج في سياق حملة تخويف للزعماء الغربيين تهدف إلى تماسك الجبهة الداعمة لها، لاسيما مع تزايد الضغوط عليها لتمديد الهدنة.

واستدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية الأحد سفيرة أيرلندا لتوبيخها على استخدام رئيس وزراء بلادها ليو فارادكار كلمة “مفقودة” بدلا من “مختطفة”، بعد يومين من استدعاء سفيري إسبانيا وبلجيكا احتجاجا على تصريحات رسمية انتقدت استهداف إسرائيل للمدنيين في غزة.

وكتب فارادكار على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي إكس “هذا يوم من الفرح والراحة الهائليْن لإيميلي هاند وعائلتها، إذ تم العثور على طفلة بريئة فُقدت، ونحن نتنفس الصعداء بعد الاستجابة لصلواتنا”، ليرد عليه وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بالقول “السيد رئيس الوزراء الأيرلندي، يبدو أنك فقدت بوصلتك الأخلاقية وتحتاج إلى التحقق من الواقع! لم تكن إيميلي هاند مفقودة، بل تم أسرها من جانب حركة حماس”.

ودافع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الأحد عن مواقف أدلى بها بشأن القصف الإسرائيلي على قطاع غزة أثارت غضب إسرائيل، مؤكدا أنها “ليست مسألة سياسية بل إنسانية”. وأعلن سانشيز الجمعة خلال زيارة إلى معبر رفح المصري، الذي يؤدي إلى قطاع غزة، برفقة رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو أن “قتل المدنيين الأبرياء دون تمييز (في قطاع غزة) غير مقبول على الإطلاق”.

 

ودعا الزعيمان إلى وقف دائم لإطلاق النار في القطاع. كذلك أدان رئيس الوزراء البلجيكي الدمار في غزة ووصفه بأنه “غير مقبول”. واستدعى وزير الخارجية الإسرائيلي الجمعة سفيري إسبانيا وبلجيكا في سياق احتجاج رسمي، واتهمهما بـ”دعم الإرهاب”.

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير جمال بيومي إن “إسرائيل تخشى أن تنتقل عدوى الانتقادات الموجهة إليها إلى دول أوروبية أخرى وتدرك أن ما تقوم به حاليا في غزة يواجه برفض شعبي في الكثير من العواصم الغربية، لذلك تحرك أدواتها الدبلوماسية الخشنة لإرسال إشارات تفيد بأنها لن تقبل بانتقادها”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “توالي استدعاءات السفراء يبرهن على أن حكومة بنيامين نتنياهو تفتقد الزعامة التي تمكنها من التواصل مع الغرب واتخاذ مواقف من شأنها أن تدفع نحو التهدئة في المنطقة”، مشيرا إلى أن الجيل الحالي من القيادات الإسرائيلية لديه عقدة من مسألة الانهزام والانكسار وتتملكه رغبة في أن يحقق بلده جميع أهدافه -من وجهة نظر هذا الجيل- دون التعرض للانتقاد أو الملاحقة.

وبدوره قال الخبير في العلاقات الدولية بشير عبدالفتاح إن “إجراءات إسرائيل بحق دبلوماسيي بعض الدول الغربية تعبر بشكل واضح عن حالة من الارتباك بعد تعرض صورتها الدولية للتشويش والاهتزاز بسبب ما ارتكبته من جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الدول الغربية التي تواجَه بضغوط من شعوبها أكثر اقتناعا بأن ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين لا بد أن يتم انتقاده ومواجهته لأنه يقتل قيم حقوق الإنسان التي روجت لها كثيرا، وهو ما أغضب قادة إسرائيل وأخرجهم عن صوابهم”.

ويستشعر الإسرائيليون تراجع زخم التعاطف الغربي الذي ظهر عقب هجوم حماس في السابع من أكتوبر الماضي ويخشون أن يمارس الغرب ضغوطا تعرقل خطة القضاء على حماس. وأعرب رئيس المجلس المركزي لليهود في ألمانيا جوزيف شوستر عن شكوكه حيال صمود التضامن الغربي مع إسرائيل.

وتحدث شوستر، الذي يرافق الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير في زيارته إلى إسرائيل، عن “التهوين من إرهاب حماس في الغرب، ولاسيما في أماكن تعتبر نفسها متمدنة ومتحضرة للغاية كالجامعات ودور المسرح وأيضا مكاتب التحرير وبعض المقرات الحكومية والأوساط المدنية”.

وتواجه إسرائيل ضغوطًا متزايدة لتمديد فترة الهدنة المقررة لأربعة أيام فقط حتى الآن في إطار حربها على حماس، غير أن مسؤولين عسكريين يخشون أن تؤدي هدنة أطول إلى إضعاف الجهود الإسرائيلية للقضاء على الحركة الإسلامية.

ويقول الأستاذ في دراسات الدفاع بجامعة كينغز كوليدج لندن أندرياس كريغ “الوقت ليس في صالح إسرائيل، كما هو الحال دائمًا، وضدّ الجيش الإسرائيلي”. ويشير إلى أنه كلّما طال أمد الهدنة نفد صبر المجتمع الدولي. غير أن الجيش الإسرائيلي مصمّم على تحقيق هدفه المتمثل في “القضاء” على حركة حماس.

وخلال زيارة إلى القوات الإسرائيلية في قطاع غزة السبت شدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على أن الجدول الزمني للهدنة “قصير”، موضحا “لن تستغرق أسابيع، ستستغرق أيامًا إلى حد ما”.

ويقول مسؤول عسكري إسرائيلي إن إسرائيل ملتزمة بأن يتمّ الإفراج عن أكبر عدد من الرهائن، لكنه أعرب عن قلقه من أنه كلما طالت الهدنة حصلت حماس على مدة أطول “لإعادة بناء قدراتها ومهاجمة إسرائيل مجددًا”. ويضيف في حديث لوكالة فرانس برس طالبًا عدم الكشف عن هويته “إنها معضلة رهيبة”.

ويعتقد المسؤول السابق في الاستخبارات الإسرائيلية آفي ميلاميد أن حماس “ستماطل في مسألة الرهائن لمحاولة استنفاد هذه الورقة لأطول وقت ممكن وبأعلى ثمن قد يشكّله ذلك لإسرائيل”.

ويعتبر أن حماس كانت تأمل أن يتبدد داخلَ إسرائيل دعمُ التوغل في قطاع غزة وأن “تخلق، في نهاية المطاف، الضغوطُ الدولية والداخلية على الحكومة الإسرائيلية ظروفًا يمكن فيها لحماس أن تستمر في الوجود وأن تحكم غزّة حتى بعد انتهاء هذه الحرب”.