في انتظار أن يقرر ترامب بعدما دخل البيت الأبيض، ما الذي سيفعله في ما يخص الملف الأوكراني- الروسي، يحاول الجانبان تعزيز تحالفاتهما، للضغط من أجل الحصول على أكثر ما يمكن من المكاسب من الاتفاق المرتقب لإنهاء الصراع.
على غرار اتفاق الهدنة الهش في غزة، هل يؤدي وصول دونالد ترامب إلى السلطة إلى اتفاق مماثل بين أوكرانيا وروسيا لإنهاء الحرب؟ سؤال لا ينفك يتبادر إلى الذهن بعد أن أثبتت سياسة ترامب التهديدية، وهو لم يتسلم بعد السلطة في الولايات المتحدة، قدرتها على حل النزاع في الشرق الأوسط، وإجبار إسرائيل وحركة “حماس” على القبول باتفاق وقف إطلاق النار.
يحبس الأوكرانيون أنفاسهم في انتظار ما سيقرره الرئيس الأميركي الجديد، الذي تسلم السلطة يوم أمس، في ما يخص الحرب الأوكرانية – الروسية، وقد باتت جلية رغبة الجميع، بمن فيهم طرفا الصراع، في إنهائها، ولكن بأي ثمن؟ هنا تكمن المعادلة، فمن الجهة الروسية، يرغب فلاديمير بوتين في أن يحتفظ بـ20 في المئة من الأراضي الأوكرانية التي احتلها منذ عدوانه على أوكرانيا في 2022، ليخرج منتصراً أمام شعبه وأمام العالم، ولن يقبل بغير ذلك. ومن الجهة الأوكرانية، بات الرئيس فولوديمير زيلينسكي مقتنعاً بأنه في ظل الوضع الحالي، من الصعب جداً إجبار الروس على التخلي عن الأراضي المحتلة، ليصبح همه الوحيد هو ضمان أمن بلده في المستقبل، وألا تمتد الطموحات الروسية إلى بقية أوكرانيا. ولكن ضمان ذلك، يمر حتماً؛ بتصور كييف، عبر الانضمام إلى حلف الناتو لحماية نفسها، الشيء الذي يرفضه الروس تماماً.
هنا تكمن صعوبة المعادلة، ويظل طرفا الصراع في انتظار ما ستطرحه الإدارة الأميركية الجديدة من بنود لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار.
في الأثناء، تتواصل جهود الطرفين لمحاولة إحداث تغييرات على الأرض، من الممكن استعمالها كورقة ضغط في محادثات السلام المرتقبة. فعلى الجانب الروسي، تواصل موسكو تكثيف هجماتها اليومية على مناطق شاسعة من أوكرانيا، مستهدفة البنى التحتية الطاقية، لحرمان السكان من إمدادات الكهرباء وغاز التدفئة، كما يتقدم جيشها بنسق حثيث في شرق البلاد، في محاولة للاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي الأوكرانية قبل نهاية الحرب. أما من جانب كييف، فإن قواتها تُكثّف هجماتها عبر الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى مستهدفة عمق الأراضي الروسية، وتحاول في الوقت نفسه، حثّ حلفائها الأوروبيين على مواصلة دعمها عسكرياً مع قرب انتهاء الدعم الأميركي.
كلا الطرفين متحمس لما ستقترحه الإدارة الأميركية الجديدة، الوحيدة القادرة على إنهاء النزاع، من دون نسيان أن ترامب أيضاً لديه أهداف سيعمل على تحقيقها من خلال مبادرته.
حرب التحالفات
في انتظار أن يقرر ترامب بعدما دخل البيت الأبيض، ما الذي سيفعله في ما يخص الملف الأوكراني- الروسي، يحاول الجانبان تعزيز تحالفاتهما، للضغط من أجل الحصول على أكثر ما يمكن من المكاسب من الاتفاق المرتقب لإنهاء الصراع. في هذا الإطار، ومع بداية السنة، كثّف زيلينسكي لقاءاته بنظرائه الأوروبيين، لمحاولة إقناعهم بإرسال مزيد من الدعم العسكري، والوقوف إلى جانب أوكرانيا في هذا الظرف الحاسم، وقد استنزفت جزءاً كبيراً من مواردها المادية والبشرية في هذه الحرب، من دون أن تستطيع استرجاع أراضيها المسلوبة.
وخلال الأسبوع الماضي، وقّع زيلينسكي على اتفاقية تعاون على مدى 100 عام مع دولة بريطانيا العظمى. وتتضمن الاتفاقية إمكانية نشر قوات بريطانية في أوكرانيا لحمايتها من أية اعتداءات روسية مستقبلية، في حال توقيع اتفاق سلام مع موسكو.
كذلك وفي لقائه الخميس الماضي مع الرئيس البولوني والرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي دونالد توسك، اتفق الجانبان على التسريع في مسار انخراط أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي.
استحثّ زيلينسكي أيضاً حلفاءه الأوروبيين على الإسراع في إرسال الدعم العسكري لأوكرانيا، إذ يواصل الضغط على المستشار الألماني الحالي، للإيفاء بوعوده بإرسال دعم عسكري بقيمة 3 مليارات يورو.
في الإطار نفسه، أمر الرئيس بايدن في آخر كانون الأول/ ديسمبر، قبل أن يغادر البيت الابيض، بإرسال مساعدة عسكرية بقيمة 2.4 مليار دولار إلى أوكرانيا، في حين أعلن الاتحاد الأوروبي برنامج مساعدات إنسانية للشعب الأوكراني بقيمة 140 مليون دولار.
هذه المساعدات تهدف إلى تعزيز الجبهة الأوكرانية لتحسين شروط التفاوض مع موسكو، حين يأتي وقت اتفاق وقف إطلاق النار.
من جهتها، فإن روسيا أيضاً عزّزت تحالفاتها في إطار استعدادها لإنهاء الحرب، إذ وقّعت خلال الأسبوع الماضي وتحديداً في 17 كانون الثاني/ يناير، اتفاقية شراكة استراتيجية مع إيران، شملت التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والعسكرية. وجاء في هذه الاتفاقية، حسب ما تسرّب من معلومات، موافقة البلدين على القيام بمناورات عسكرية مشتركة، والتعاون بين أجهزة الاستخبارات. تأتي هذه الاتفاقية لتعزيز التعاون القائم أساساً في هذ المجال، فلا يخفى أن إيران تزوّد روسيا بمسيرات “شاهد” ذات الأثر الطويل المدى، التي تستعملها الأخيرة في حربها مع أوكرانيا.
هذه الاتفاقية المشتركة، تأتي بعد تلك التي وقعتها موسكو مع كوريا الشمالية في تشرين الأول/ أكتوبر 2024، والتي تضمنت “تقديم المساعدة العسكرية في حالة التعرض للاعتداء”. وقد رأينا كيف أفضت هذه الاتفاقية إلى إرسال كوريا الشمالية نحو 12 ألف مقاتل إلى روسيا، للمشاركة في تحرير منطقة كورسك الروسية، التي استولت عليها القوات الأوكرانية في آب/ أغسطس من السنة الماضية.
يُضاف إلى هذين التحالفين الاستراتيجيين، التحالف مع الصين، التي طالما مكّنت روسيا من تحدي العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب، من خلال تعزيز التبادل التجاري معها، بالإضافة إلى إمدادها بالأسلحة.
ولكن هل سيُفضي تحشيد التحالفات بالضرورة إلى نهاية وشيكة للصراع في أوكرانيا، الذي يشارف على بلوغ الثلاث سنوات في شباط/ فبراير المقبل؟
وإن كان هناك إجماع على ضرورة إنهاء الحرب التي لم تفضِ إلى حد الآن إلى أي انتصار من الطرفين الروسي والأوكراني، فإن لكل منهما رؤيته لشروط قبول السلام، فروسيا ترفض التخلي عن الأراضي الأوكرانية التي احتلتها، وهي وإن رحّبت بالتدخل الأميركي لإيجاد حل وقبلت دعوة ترامب للقاء بوتين، فإنها لا تزال متمسكة بخطوطها الحمراء، المتمثلة في عدم التنازل عما أُخذ بالقوة، ومنع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي. في المقابل، تتمسك كييف بحقها في مواصلة الحرب طالما لم تتلقّ ضمانات قوية، في حال قبلت بالواقع على الأرض، بألا تجتاحها موسكو مرة أخرى وتضم أراضيَ جديدة من تُرابها.
كلا الطرفين متحمس لما ستقترحه الإدارة الأميركية الجديدة، الوحيدة القادرة على إنهاء النزاع، من دون نسيان أن ترامب أيضاً لديه أهداف سيعمل على تحقيقها من خلال مبادرته. فهذا الأخير، وإن كان يريد إخراج الولايات المتحدة من هذا الصراع التي استنزف جزءاً من مواردها، فهو لا يرغب في أن يظهر بمظهر المهزوم الذي خسر الحرب ضد العملاق الروسي. لذلك، سيعمل من جهة، على إجبار الروس على القبول باتفاق وقف إطلاق النار الذي سيعرضه، من خلال تكثيف المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا، وقد أعلن وزير الخزانة في الحكومة الأميركية المقبلة حديثاً نية بلده القيام بذلك، وسيضغط من جهة أخرى على أوروبا لتلعب دوراً أكبر في مرحلة ما بعد وقف الحرب، لضمان تطبيق اتفاق السلام المرتقب. وهذا يمر حتماً عبر دفعها إلى نشر قوات لها في المنطقة العازلة بين الأراضي التي احتلها الروس في أوكرانيا وبقية البلاد، وزيادة مشاركتها في تمويل حلف شمال الأطلسي. وكان ترامب صرّح بأن على البلدان الأوروبية رفع مساهمتها في النفقات العسكرية بنسبة 5 في المئة من ناتجها الداخلي.
قد يحتاج هذا كله إلى وقت لتحقيقه، وبالتالي، فإن ترامب لن ينجح في إنهاء الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 ساعة، كما وعد بذلك في حملته الانتخابية، لأن المسألة أعقد مما يتصور.