وفي غضون أقل من عام، فقدت البلاد رئيسا، وثلاثة حلفاء (قادة سوريا و”حماس” و”حزب الله”)، والعديد من مواقع إنتاج الصواريخ، وأفضل أنظمة الدفاع الجوي لديها، فيما تتفاقم أزمة طاقة تزيد التذمر بين الشعب.
وفي رأي مجلة “الايكونوميست” أن النظام في هذه الحال سيعتمد على أحد السهام القليلة المتبقية في جعبته، وهو برنامجه النووي.
ايران ضعيفة؟
نفوذ ايران
في تصريحات وداعية لوزارة الخارجية الأميركية في كانون الثاني/يناير، أعلن الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن أن إيران “أضعف مما كانت عليه منذ عقود”.
وقد جسدت تعليقات بايدن التقييمات الاميركية – الاسرائيلية بشأن إيران، وهناك دلائل متزايدة على أن تل أبيب تفكر في استغلال موقف طهران الضعيف بشن ضربات على المواقع النووية الإيرانية. ويأتي ذلك في الوقت الذي دعت فيه شخصيات أكثر تشدداً في الحكومة الإيرانية إلى تعديل العقيدة النووية للبلاد في حال وجود تهديد وجودي – في مغازلة علنية لاحتمال التسلح، بحسب مجلة “فورين بوليسي”.
ليس هناك شك في أن الأشهر الخمسة عشر الماضية كانت مدمرة لما يسمى بمحور المقاومة الإيرانية. فقد أدت الحرب القاسية متعددة الجبهات التي شنتها إسرائيل بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 إلى إضعاف “حماس” و”حزب الله”. وقد وافقت كلتا الجماعتين المسلحتين، اللتين شهدتا مقتل قادتهما القدامى في الحرب، على وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وقال غريغوري برو، محلل بارز في مجموعة “أوراسيا غروب” لـ”فوريس بوليسي”: “حماس كانت ذخرًا استراتيجيًا لإيران بقدر ما كانت قادرة على تهديد أمن إسرائيل من غزة… لقد انتهى ذلك”.
وأضاف: “حزب الله قد تم تقليصه أيضًا بطريقة ستستغرق سنوات لإعادة بنائه إلى ليكون قادراً على توفير الردع لإيران”، مؤكدا أن الجماعة اللبنانية المسلحة تحولت من “رصيد استراتيجي” لطهران إلى “عبء استراتيجي”.
كما خسرت طهران أيضًا أحد أقرب حلفائها في المنطقة مع انهيار نظام الأسد في سوريا في كانون الاول الماضي.
دفاعات طهران الجوية
وفي الوقت نفسه، وجهت الضربات الاسرائيلية في تشرين الاول الماضي ضربة كبيرة للدفاعات الجوية الإيرانية وإنتاج الصواريخ.
وشملت الأهداف الدفاعات الجوية الإيرانية وإنتاج الصواريخ والطائرات بدون طيار ومرافق الإطلاق، بحسب شبكة “بي بي سي”. وبعد مرور أشهر، لم تنفّذ إيران تهديداتها بالرد.
وقالت سانام فاكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس لـ”فورين بوليسي”: “إن ضرب إسرائيل للمرة الثالثة من شأنه أن يستدعي ضربة إسرائيلية مضادة قد تزيد من إحراج إيران وإضعافها”.
وشددت فاكيل على أن إسرائيل كانت فعالة للغاية في تدمير “الكثير من قدرة الردع الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة منذ 7 تشرين الأول مع إظهار تفوقها العسكري والاستخباراتي من خلال استعدادها وقدرتها على ضرب إيران مباشرة”.
يشار الى أن الجواسيس الإسرائيليين قلبوا بدورهم دوائر القوة الإيرانية رأساً على عقب.
اقتصاد ايران
وبعيدًا عن الديناميكيات العسكرية، لا يزال الاقتصاد الإيراني يعاني تحت وطأة العقوبات الدولية التي تتصدرها سوء الإدارة المنهجية.
وتواجه إيران الآن احتمال حدوث المزيد من المشاكل الاقتصادية وزيادة العزلة مع عودة الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وقد دعاه مستشاروه إلى إعادة تطبيق سياسة “الضغوط القصوى”، أي فرض عقوبات اقتصادية قاسية بهدف الضغط على طهران للتفاوض على نسخة أكثر صرامة من الاتفاق النووي لعام 2015.
نووي ايران
وأصبح برنامج طهران النووي الآن أكثر تطوراً مما كان عليه عندما انسحب ترامب من الاتفاق النووي في عام 2018. ويُعتبر الوقت الذي تستغرقه إيران لامتلاك سلاح نووي في الوقت الحالي من أسبوع إلى أسبوعين فقط. ويمكن لهذه العوامل مجتمعة أن تجعل الضربات العسكرية على المنشآت النووية الإيرانية أكثر جاذبية لترامب، بحسب “الايكونوميست”.
ومنذ أن سحب ترامب في عام 2018 أميركا من الاتفاق النووي، جمعت إيران اليورانيوم وأجهزة الطرد المركزي التي يمكنها تخصيبه إلى درجة صنع الأسلحة. وفي تشرين الاول الماضي كان بإمكانها تخصيب اليورانيوم لصنع خمس قنابل في حوالي أسبوع، إذا اختارت القيام بذلك. ومنذ ذلك الحين ارتفعت قدرتها على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، أي ما يقرب من درجة صنع الأسلحة، خمسة أضعاف. ولكي تمتلك سلاحاً قابلاً للاستخدام، ستظل بحاجة إلى صنع رأس حربي متفجر يمكن وضعه على صاروخ. وقد يستغرق ذلك من 12 إلى 18 شهرًا.
طهران… ضعيفة ولكن “ليست عاجزة”
ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في تقدير حالة الضعف التي تعاني منها إيران، فلا يزال بإمكانها الدفاع عن نفسها، بحسب الخبراء.
وقال كبير محللي الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية نيسان رافاتي لـ”فورين بوليسي” إن “إيران ضعفت إلى حد كبير… لكنها لا تزال لديها القدرة على إلحاق الضرر بخصومها”.
وأضاف: “لا تزال هناك قدرة عسكرية. فالحرس الثوري لا يزال موجودًا. ولا يزال أسطول الصواريخ الباليستية موجودًا. ولا يزال لديهم طائرات بدون طيار”.
وأشار إلى أن إيران “ليست عاجزة”، مؤكداً أنها تحتفظ بحلفاء في كل من العراق واليمن.
أظهرت إيران أيضًا ما هي قادرة عليه العام الماضي من خلال هجماتها بالطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل، رغم أنها لم تتسبب بأضرار كبيرة.
تمر إيران بمرحلة حرجة على مختلف الأصعدة، حيث تتعرض لضغوط شديدة داخليًا وخارجيًا. ولكن رغم ضعفها الملحوظ، لا تزال قادرة على إلحاق الأذى بخصومها من خلال قوتها العسكرية المتبقية. ومع تصاعد تهديدات النووي، هل تظل لاعبًا مهمًا في الشرق الأوسط؟