يمكن فهم التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية على أنها لا تزال في إطار ممارسة الضغط من أجل الحصول على ما يمنح تل أبيب الاطمئنان من جانب إيران.
تبدو إيران اليوم أمام شهر شباط/فبراير مختلف عنه في كل عام، إذ تحتفل هذه الأيام برحيل نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وتأسيس زعيمها الخميني نظاماً كرّس مركزية العداء نحو أميركا التي أصبح العداء معها جزءاً من الأساطير التي نسجتها الثورة التي اندلعت عام 1979. لكن تأتي الذكرى هذه المرة وسط همهمات مرتفعة بشأن إنهاء القطيعة مع واشنطن، وليس إنهاء العداء معها. وكذلك تتزامن أيضاً مع عودة الرئيس دونالد ترامب الذي يحب الصفقات لا الاتفاقات، وكذلك لا تعجبه المفاجآت، بل يريد أن يكون وحده “المفاجأة” للجميع، بما يدفعهم إلى إعادة حساباتهم حيال كيفية التعامل معه!
وهو ما يترجمه اللقاء التنسيقي الذي سيجمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في واشنطن غداً الثلاثاء، إذ ينتظر ترامب من طهران أن تجيب عن أسئلته حول كيفية الاطمئنان إلى طبيعة برنامجها النووي. ويأتي مشروع القانون الذي تقدم به جمهوريون وديموقراطيون إلى الكونغرس الأميركي للحد من قدرات البرنامج النووي لإيران، متماشياً مع رغبة رجل الصفقات، في أن هدفه ليس الحصول على تفويض باستخدام القوة ضدها، وإنما التركيز على تحجيم قدراتها لحماية حلفاء الولايات المتحدة.
ولذلك، يمكن فهم التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية على أنها لا تزال في إطار ممارسة الضغط من أجل الحصول على ما يمنح تل أبيب الاطمئنان من جانب إيران. لكن حقيقةً لا يزال نتنياهو يخضع لسيناريوات ترامب، ودليل ذلك التزامه خطط الهدنة في لبنان وغزة التي وضعتها الإدارة الأميركية الجديدة، في إطار الديبلوماسية القسرية التي تمارسها تلك الإدارة، أي ديبلوماسية الطاولة تحت مظلة القبضة!
وفي المقابل، تواجه طهران تلك التهديدات بالرد بالمثل بما يهدد بنسف خطط ترامب حيال المنطقة، ولا تتردد في إعلان ذلك بشكل رسمي، على المستويين الديبلوماسي والعسكري، بأنها سترد بشكل فوري وحاسم إذا ما تعرضت منشآتها النووية لهجوم. لكن هدفها الحقيقي هو منع وقوع تلك الكارثة وليس المغامرة بها.
عدّ تنازلي
ربما يطمح رجل المفاجآت إلى مرحلة أبعد من تحييد خطر إيران، وذلك باصطفافها إلى قائمة الحلفاء، بخاصة أن الاستقرار في المنطقة واستكمال المسار الإبراهيمي لن يتحققا من دون الاتفاق معها، لكنه أمر بعيد حتى الآن. لذلك، فإن ترتيب المسارات المطروحة للتعامل معها، هي: الديبلوماسية القسرية، ثم سياسة أقصى ضغط، ثم الحرب، وهو ما يعمل ترامب على إيصاله إلى طهران، وما أثار انقساماً أيضاً بين السياسيين هناك، بخاصة أن الصفقة معه غير محددة الملامح وهو ما يتعارض مع تعليمات المرشد الأعلى الذي قال: “يجب أن ندرك مع مَن نتعامل”!
الحقيقة، أن احتمال التوصل إلى اتفاق في النهاية أكبر من احتمال الخلاف عليه، ويمكن فهم زيارة وزير الخارجية الإيراني للدوحة، الخميس الماضي، على أنها بداية العد التنازلي لذلك الحوار، إذ وضع عباس عراقجي شرطاً أساسياً لاستعادة الثقة بالجانب الأميركي، وهو رفع الحظر عن الأموال المجمدة في الخارج. كما أن تصدر الملياردير الأميركي إيلون ماسك مشهد السياسة الخارجية الأميركية، يعني أن رجل الصفقات عازم على الاستفادة من سوق إيران الذي يتجاوز حجمه مئات التريليونات. ومن المحتمل أن تكون خطته أن الأولوية بالنسبة إلى أميركا هي الوصول إلى صفقة مع إيران، أما مسألة الاتفاق النووي فهي مهمة الترويكا الأوروبية بالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وكذلك ربما تستثمر طهران في رغبة ترامب تلك بما يدعم اقتصادها، بينما تبقى الخلافات بشأن مسألة التوازن الإقليمي مؤجلة إلى مرحلة لاحقة!