على عكس التصور السائد، لا تريد تركيا أن تخرج أمريكا من شمال شرق سوريا بصورة كاملة؛ على الأقل ليس الآن.
الانسحاب الأمريكي:
– سيترك أولاً تركيا مكشوفة أمام عودة محتملة لتنظيم “داعش”.
– وثانياً، سيمهد الطريق أمام إيران لإعادة تشكيل نفوذها في شرق سوريا؛ فطهران لن تنسى أنها طُعِنت في الظهر، وبالتالي عودة حزب العمال الكردستاني المحتملة إلى بسط نفوذه على الحدود التركية.
– وثالثاً، سيفتح الباب واسعاً أمام إسرائيل لترمي بثقلها لتقطع الطريق أمام عودة أي نفوذ إيراني.
هذا فضلاً عن أن تركيا نفسها، لا تستطيع السيطرة على المنطقة الصحراوية في سوريا بأكملها، لدرء التهديدات الكثيرة التي سيخلّفها وراءه الانسحاب الأمريكي.
يعني هذا أن تركيا ليس لديها خيارات، وأنّ عليها أن تتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية.
إن كان الأمر ذلك، فلماذا تشن القوات الموالية لتركيا الهجمات على “قسد” قرب سد تشرين؟ تريد تركيا أن تَفْهم “قسد” أنها هي أيضاً ليس لديها خيارات. والهدف من هجمات “سد تشرين” ليس هزيمة “قسد”، بل الضغط عليها لتقديم تنازلات كافية.
ما الذي تريده تركيا؟
تريد تركيا:
– أن تطرد “قسد” المقاتلين غير السوريين،
– وأن تضم “البيشمركة” السورية الموالية للبارزاني، إلى وحدات حماية الشعب،
– وأن تلتزم بالاندماج الكامل مع دمشق.
والأهم، أن ترفع واشنطن العقوبات عن سوريا، لتفتح الباب أمام الشركات التركية لإعادة البناء.
ولكي ترفع واشنطن العقوبات، فهي تريد من تركيا أن تضغط على “هيئة تحرير الشام”، لكي:
– تطرد المقاتلين غير السوريين من صفوفها،
– وأن تضم الأطراف السورية الأخرى إلى العملية السياسية،
– وأن تكون المكونات المختلفة جزءاً أساسياً من العملية السياسية.
– وأن تقدم خطة قابلة للتصديق ومتكاملة للتعامل مع تنظيم “الدولة الإسلامية” والجهاديين. وهذه نقطة حاسمة، لن تتمكن “هيئة تحرير الشام” من تنفيذها من دون إشراك “قسد”.
لذلك، تسابق تركيا الزمن ليخرج الزعيم عبد الله أوجلان في أقرب وقت ممكن على شاشات التلفزيون، ويطلب من حزب العمال الكردستاني رمي السلاح. وهي تدرك أن الأمر لن يكون بهذه السهولة، فقد لا يلتزم المتشددون في الحزب بما يطلبه أوجلان. لكن تعاوناً بين أنقرة – أربيل – واشنطن، سيحدّ من تأثير هؤلاء، وسيسهم في إخراج قوات سوريا الديمقراطية من تحت تأثيرهم، وتركيز جهودها على تمثيل مصالح كرد سوريا. ولن يكون مستغرباً، أن نجد عند نقطة ما، قوات مشتركة سورية وتركية و”قسد” لمواجهة التهديدات الإرهابية في المنطقة.
الآن، هل سيسير الأمر في هذا الاتجاه فعلاً؟ نعم، إن سار كل شيء على ما يرام. ولكن ليس بالضرورة، فالاحتمالات لا تزال مفتوحة في سوريا بوضعها الحالي. ولعل وجود معارضة حقيقية ليس أمراً صحياً فقط، بل ضرورياً لتوازن السلطة القائمة.
وربما أن السوريين الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم “سنّة” أولاً؛ ولا يتوانون عن إقصاء الآخر، ولا يخفون صيحاتٍ تصل أحياناً إلى درك “التطهير العرقي”، سيهدئون في نهاية الأمر. ويمكن تفسير سلوك هؤلاء (وليس تَفَهُّمُه) أنهم ناقمون على أنفسهم قبل الآخرين. ففي السنوات الأولى للثورة كانوا يؤمنون أن الله سيقف إلى جانبهم. وعندما لم يستجب (بحسب تصوّرهم)، ظنّوا أنه ابتلاهم إلى حين. وعندما امتد البلاء، اهتزّت علاقة بعضهم مع الرب؛ وبعضهم ترك الدين بأكمله، فيما اعتنق آخرون ما يعتبرونه “قيماً غربية”؛ ثم جاء “الرد الإلهي من حيث لا يحتسبون”، والآن يريدون تعويض “الشكوك” التي انتابتهم، بـ”التطرف” عقاباً للذات وجلداً لها، وللآخرين أيضا.