في وقت طرحت عودة القيادي الجهاديّ عمار الحداوي من تركيا إلى مناطق سيطرة “قسد” في شرق الفرات، الكثير من التساؤلات وأثارت الشكوك بشأن خلفياتها، كثّفت قوات العشائر العربية بقيادة الشيخ ابراهيم الهفل هجماتها على بلدات ريف دير الزور الشرقي، وتمكنت مساء الثلثاء من السيطرة على معظم أحياء بلدة الشحيل قبل انسحابها منها، فجر الأربعاء.
موجة الهجمات الجديدة بدأت بعد أقل من شهر على تشكيل قيادة عسكرية موحّدة لقوات العشائر التابعة للهفل، والذي يقود التمرّد المسلّح ضدّ “قسد” منذ حلّ الأخيرة لمجلس دير الزور العسكري واعتقال أعضائه، في شهر آب (أغسطس) الماضي. وقد سُجّل خلال الأيام الثلاثة الماضية ما يقارب 30 هجوماً قامت بها قوات العشائر في 13 بلدة وقرية تخضع لسيطرة “قسد”.
وبلغت موجة الهجمات ذروتها مساء الثلثاء، عندما اقتحمت قوات العشائر بلدة الشحيل الاستراتيجية وتمكنت من السيطرة على معظم مساحتها الجغرافية، وسط انهيار في صفوف قوات “قسد” المسؤولة عن الدفاع عن البلدة، لكن قوات العشائر التي تتبع سياسة حرب العصابات انسحبت من البلدة في ساعات الفجر من يوم الأربعاء.
ويُعدّ هذا الهجوم هو الأعنف الذي تقوم به قوات العشائر منذ جولة الاقتتال الواسعة التي أعقبت اعتقال قيادة وأعضاء مجلس دير الزور العسكري، الصيف الفائت.
فشل احتواء الصراع
ويشير تصاعد الهجمات إلى فشل الخطوات التقليدية التي لجأت إليها “قوات سوريا الديموقراطية” من أجل احتواء الصراع مع العشائر العربية، وأبرزها محاباة بعض شيوخ العشائر وعقد اجتماعات مع الوجهاء وتقديم وعود بإيجاد حلول للمشاكل العالقة بين الطرفين والتي تتصدّرها مشكلة التمثيل العربي ضمن مكونات “قسد” المسؤولة عن إدارة مناطق سيطرتها في محافظة دير الزور.
وقد يكون هذا ما دفع “قسد” بإيحاء أميركي، وفق بعض المصادر، لتجربة وسائل غير تقليدية لحل الصراع، وهو ما مثّله أخيراً وصول الجهاديّ المعروف عمار الحداوي من تركيا إلى مناطق سيطرة “قسد” لإعطائه دوراً في عملية إيجاد الحل المنشود.
ووصل الحداوي إلى دير الزور يوم الخميس الماضي، حيث كان في استقباله القيادي في “قسد” محمد الرمضان الملقّب “الضبع”، وهو ما اعتبره البعض مؤشراً إلى وجود تنسيق بين الحداوي و”قسد” بخصوص عودته.
ويتحدّر الحداوي من مدينة الشحيل، وهو حاصل على الإجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق. كان يتبع “جبهة النصرة” في دير الزور قبل أن ينشق عنها وينتمي إلى تنظيم “داعش” حيث تولّى فيه مناصب شرعية وأمنية. وكان يُنظر إليه باعتباره أحد المقرّبين من “أبو صهيب العراقي”، القيادي البارز في التنظيم، والذي قُتِل في عملية أمنية لقوات التحالف الدولي في بادية ريف دير الزور الشرقي عام 2018.
وبرز اسم الحداوي قبل سيطرة “داعش” على دير الزور، إذ تولّى المفاوضات مع فصائل المعارضة (الجيش الحرّ) لوقف قتال التنظيم وتسليمه السلاح والمنطقة.
إلى المقلب التركي
لكن الحداوي فرّ فجأة من دير الزور في صيف عام 2015 وانتقل إلى تركيا، حيث أصبح عضواً في مجلس العشائر العربية في أورفا.
وفي تلك المرحلة اتخذ مواقف داعمة للإدارة التركيّة، إذ شنّ حملات إعلاميّة وخطابيّة على “قسد”، مُتّهماً إياها بإقامة كيان غريب عن سوريا، وبأنّها منظمة إجراميّة، داعياً إلى مقاتلتها.
وفي عام 2018 تعرّض للاعتقال من أجهزة الأمن التركية لكن تمّ الإفراج عنه بعد أيام قليلة.
وذكرت بعض المصادر المقرّبة من الفصائل المسلحة في سوريا أنّ الحداوي كان يشغل أخيراً منصب مسؤول العلاقات العامة في الفيلق الثالث المنضوي تحت “الجيش الوطني السوري” والممول من تركيا، ومن شأن هذه المعلومة أن تزيد الالتباس بشأن الدور المحتمل الذي يمكن أن يقوم به الحداوي لحل الصراع بين “قسد” والعشائر العربية.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر خاصة بحسب موقع “أثر برس” عن سبب عودة الحداوي، القيادي السابق في الميليشيات المسلّحة، إلى مسقط رأسه مدينة الشحيل الواقعة شرق دير الزور، مؤكّدة أنّ الهدف من عودته هو تنفيذ سيناريو جديد لإدارة منطقة الجزيرة التي تسيطر عليها “قسد” و”التحالف الدولي”.
“سيناريو الحداوي” من مسارين
ووفق المصادر، فإنّ السيناريو الذي سينفّذه الحداوي يتألف من مسارين، الأول، تشكيل مجلس عسكري يقوده المسؤول في “قسد” محمد الرمضان، فيما يتضمن المسار الثاني تشكيل مجلس شورى تُسند قيادته حاجم البشارة، وهو أحد شيوخ قبيلة “البكارة” وتربطه علاقات طبيعيّة مع “قسد”.
وذكرت المصادر أنّ السيناريو الذي يعمل عليه الحداوي يهدف إلى إخماد الانتفاضة العشائرية التي يقودها شيخ قبيلة العكيدات إبراهيم الهفل.
ولفتت إلى أنّ الحداوي يمتلك حضوراً دينياً على خلفيّة فكره السلفي، وهو يُعدّ ناشطاً منذ سنوات وله حاضنة جيدة وبخاصة في مدينة الشحيل، بريف دير الزور الشرقي.
وأشار الموقع إلى أنّ الحداوي كان أبرز قيادات تنظيم “جبهة النصرة” عندما كان يسيطر على دير الزور، ثم عمل لاحقاً مع بدء تمدّد تنظيم “داعش” ومواجهاته مع “النصرة” في مدينة الشحيل، التي كانت تُعدّ المقر الرئيس له للتفاوض مع “داعش”. وبعد سيطرة الأخير على غالبية مناطق الشرق السوري عام 2014، انضمّ الحداوي إليه وأصبح من أبرز قادته.