أن تدعم الفلسطينيين بوجه العدوان الإسرائيلي، فهذا قد يعني أنك ستُصنّف فوراً ضمن خط “الممانعة”. لا يهم إن كنت يمينياً أم يسارياً، مسيحياً أم شيعياً أم سنياً… فمجرد التعاطف مع طفل فلسطيني قُتل بقصف همجي، يعني أنك من هذا المحور.
قرر بعض اللبنانيين تصنيف هذا التعاطف كنوع من الاندماج بمحور “حزب الله”. أما البقاء على الحياد والصمت التام، أو مهاجمة الفلسطينيين الذين يتعرضون لإبادة، كما فعل النائب كميل شمعون، فهو برأيهم نوع من ثبات الموقف المعارض لـ”الحزب”، الذي احتكر بدوره أي شكل من أشكال المقاومة طوال السنوات الماضية.
تمدد الانقسام
منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تاريخ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، والانقسام اللبناني يتمدد. وزادت التطورات التي شهدتها الحدود الجنوبية من الشرخ القائم، خصوصاً أن جبهة الجنوب تشكّل جزءاً أساسياً من الحرب القائمة. مسارعة عائلات للبحث عن بيوت للايجار، وازدياد الطلب على المواد الغذائية، والتهافت لتخزين الوقود… كلها أمور برهنت للّبنانيين أهمية اتخاذ موقف.
المفارقة أن الموقف تجاه الأحداث الفلسطينية، تمدّد ليشمل التبعات الداخلية، والتي كان أبرزها بحث الجنوبيين عن منازل خارج بلداتهم، في حال اشتعال الحرب.
معارضة “الحزب” العمياء 
لكل فئة لبنانية بُعد في تحديد موقفها من الواقع في فلسطين. تنطلق فئة كبيرة من الجمهور من استيائها من “حزب الله”، الذي احتكر قرار السلم والحرب طوال السنوات الماضية وبات اليوم يواجه معارضة عمياء. يعتبر بعض معارضيه أن التعاطف مع الشعب الفلسطيني هو بشكل أو بآخر توافق مع “الحزب”، وكذلك استقبال أهالي الجنوب في حال اشتعال الحرب، على اعتبار أن الغالبية العظمى منهم تناصر البيئة ومحور المقاومة.
الأحد، نشر رئيس “حزب الوطنيين الأحرر”، النائب كميل شمعون، صورة (تبيّن لاحقاً أنها تعود لتاريخ مختلف) في حسابه في منصة “إكس”، تضمنّت جثثاً للبنانيين خلال مجزرة الدامور في العام 1976. شمعون، وهو نائب في كتلة “الجمهورية القوية”، حرّم التعاطف مع الفلسطينيين على اعتبار أنّ كل “شهيد لبناني يساوي فلسطين”، متهماً الفلسطينيين بأنهم باعوا أراضيهم.
لاقت عنصرية شمعون معارضة واسعة، من أنصار خطّه قبل معارضيه، فحذف الصورة ونشر بياناً ترقيعياً ساذجاً مساء اليوم نفسه.

فلسطين من منظور لبناني

يعتبر الكاتب السياسي قاسم قصير، خلال حديثه مع “المدن”، أن “على اللبنانيين مقاربة ما يجري في فلسطين برؤية أكثر توسعاً، فالمقاربة من نظرة داخلية هي نظرة قاصرة”. يرى قصير أن “حزب الله” يتطلع بعقلانية واسعة ويدير الملف ضمن الواقع اللبناني”، مشيراً الى أن “استعادة مشاهد الحرب الأهلية ليست لمصلحة أحد وهي تدين الجميع”، ذلك أن المجارز “ارتكبها الجميع بحق الجميع”. ويشير إلى أن من يريد تجنيب لبنان الحرب، عليه المطالبة بوقف العدوان على غزة قبل أي شيء.

العلاقة السيئة بين اللبنانيين 
طوال السنوات الماضية، ساءت العلاقة بين اللبنانيين بسبب التباينات الكبيرة في قضايا أساسية أبرزها تحقيقات تفجير مرفأ بيروت وعدم التوافق على رئيس للجمهورية. ليس الموقف تجاه الأحداث الفلسطينية القائمة بمعزل عن الشرخ الفاقع. راحت الأحكام تسقط في منصات التواصل تجاه كل من يعطي رأياً حيال الموضوع، بين مؤيد ومعارض و”مخوّن”.
كعادته، هيمن “حزب الله” والموقف منه، على “النقاشات الفايسبوكية”، واعتمدت غالبية المقاربات على تحديد الموقف من “الحزب” قبل طرح موضوع التعاطف مع الفلسطينيين.
علاقات لبنانية سيئة
يشدّد الصحافي والكاتب حازم صاغية على أن العلاقة بين اللبنانيين سيئة للغاية، وستصبح أسوأ في حال الدخول بالحرب. يرى صاغية أن أكثرية ساحقة من اللبنانيين متعاطفة مع مأساة الشعب الفلسطيني. ويلفت إلى أن ما هو أخطر من الدخول في الحرب، هو تحولها لسبب آخر للنزاع الداخلي الذي يقضي على ما تبقى من هذا البلد.
ويضيف لـ”المدن”: “العامل الحاسم في قرار “حزب الله” بدخول الحرب هو الموقف الإيراني، فإذا قررت طهران إقحامه فيها، لن يبالي “الحزب” بآراء فئة كبيرة من الجمهور الداخلي الذي سيزداد نقمةً عليه. أما في حالة تعادل الآراء، فمن الممكن أن يأخذ “الحزب” هذا الأمر في الحسبان”.
انقسام أبيض وأسود

اعتاد اللبنانيون، الانقسام التام. أبيض وأسود. “الانقسام الرمادي”، وما نعنيه من مقاربات مختلفة لبعض القضايا كالتضامن الإنساني اليوم مع فلسطين، لا مكان له لدى كثيرين. يتحمل “الحزب” ومعارضوه المسؤولية الأكبر حيال هذا الأمر. والخشية أن ينتقل انقسام منصات التواصل، إلى الواقع، في حال انخرط لبنان في الحرب الدموية.

increaseحجم الخط