في كل وقت من الأوقات بما في ذلك طوال الحرب العراقية – الإيرانية كان النظام العلوي في سوريا حليفا أساسيا بل محوريا لـ”الجمهورية الإسلامية” التي استطاعت بعد 2003 إقامة “الهلال الشيعي”.
مناورة جزائرية لن تنطلي على أحد
من بيروت، إلى الجزائر، التي زار وزير خارجيتها أحمد عطاف دمشق حاملا وعودا، ليس معروفا هل من قيمة لها، تتأكد يوميا أهمية الحدث السوري المتمثل بفرار بشّار الأسد من دمشق وزوال الحكم العلوي في بلد ذي أكثرية سنّية.
ليس سهلا على نظام مثل النظام الجزائري الاعتراف بوجود سوريا جديدة، لولا وجود واقع على الأرض يفرض عليه إرسال وزير الخارجية إلى دمشق مع رسالة من الرئيس عبدالمجيد تبون إلى الرئيس أحمد الشرع يعرض فيها خدمات الجزائر بصفة كونها العضو، الذي يمثل في أيامنا هذه المجموعة العربية، في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
على الصعيد اللبناني البحت، لم يكن ممكنا انتخاب رئيس للجمهوريّة في البلد لولا التحوّل الذي شهدته سوريا. لم يكن في الإمكان تشكيل حكومة برئاسة نواف سلام، حكومة من دون ثلث معطل تضمّ عددا لا بأس به من الكفاءات، لولا الزلزال السوري الذي غيّر طبيعة الحكم في دمشق الذي استمر 59 عاما، منذ 23 شباط – فبراير 1966 لدى حصول الانقلاب الذي قاده الضابطان العلويان صلاح جديد وحافظ الأسد على رفاقهما البعثيين. مهّد ذلك لتفرّد حافظ الأسد بالسلطة ابتداء من 16 تشرين الثاني – نوفمبر 1970. قام بعد ذلك نظام عائلي أوصل سوريا تدريجيا إلى الحضن الإيراني، خصوصا بعدما ورث بشّار الأسد سوريا عن والده صيف العام 2000.
◄ سوريا تغيّرت كلّيا. لا يمكن إلّا أن يأتي يوم تتخذ فيه موقفا مع الحقّ، أي مع مغربيّة الصحراء. لن تنطلي المناورة الجزائرية التي تولاها أحمد عطّاف على أحد
يستطيع لبنان انتهاز فرصة التحوّل الكبير في سوريا من أجل التقاط أنفاسه. إنها المرة الأولى التي يلعب فيها الجانب السوري، منذ ما يزيد عن نصف قرن، دورا مهمّا على صعيد وقف تدفق السلاح من سوريا إلى الأراضي اللبنانية. منذ ما قبل وصول حافظ الأسد إلى السلطة، عمل النظام السوري على نقل السلاح والمقاتلين الفلسطينيين إلى لبنان من أجل تفجير الوضع فيه وصولا إلى حرب صيف العام 1982 التي شنتها إسرائيل وانتهت بخروج مقاتلي منظمة التحرير الفلسطينية من البلد.
من 1982 إلى يوم انتخاب جوزيف عون رئيسا للجمهورية ثم تشكيل حكومة نواف سلام، تدفق السلاح الإيراني على لبنان. نجحت “الجمهوريّة الإسلاميّة”، عبر أداتها اللبنانية، “حزب الله” وبتعاون مع حافظ الأسد، في إخراج الولايات المتحدة من لبنان. نسفت السفارة الأميركيّة في بيروت في نيسان – أبريل 1983 ونسفت مقر المارينز قرب مطار بيروت في تشرين الأول – أكتوبر من السنة ذاتها. قتل 241 عسكريا أميركيا في تفجير مقر المارينز قرب المطار. خطفت إيران، عبر أداتها اللبنانية أيضا، أميركيين وأوروبيين وابتزت واشنطن والعواصم الأوروبية وصولا إلى تحقيق كلّ أمنياتها. تحققت هذه الأمنيات بفضل إدارة جورج بوش الابن التي أسقطت في العام 2003 النظام البعثي – العائلي الذي أقامه صدام حسين في العراق.
في كلّ وقت من الأوقات، بما في ذلك طوال الحرب العراقيّة – الإيرانية بين 1980 و1988، كان النظام العلوي في سوريا حليفا أساسيا، بل محوريا لـ“الجمهوريّة الإسلاميّة” التي استطاعت، بعد 2003، إقامة “الهلال الشيعي”. كان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أول من تحدّث عن هذا الهلال، بصفة كونه “هلالا فارسيا”، في تشرين الأوّل – أكتوبر 2004، في حديث أدلى به إلى صحيفة “واشنطن بوست”.
لم يقتصر هذا الحلف على إغراق لبنان بالسلاح، بل بلغ تنسيقا في العمق في مرحلة ما قبل اغتيال رفيق الحريري يوم 14 شباط – فبراير 2005، بغية القضاء على أي أمل بعودة الحياة إلى لبنان. لم يكن في استطاعة “حزب الله” تنفيذ جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه لولا الغطاء السوري الذي وفّره له بشّار الأسد…
◄ لم يكن في الإمكان تشكيل حكومة برئاسة نواف سلام، حكومة من دون ثلث معطل تضم عددا لا بأس به من الكفاءات لولا الزلزال السوري الذي غير طبيعة الحكم في دمشق
ما تغيّر في المنطقة منذ سقوط النظام العلوي في سوريا يتجاوز لبنان، لا لشيء سوى لأن “الهلال الشيعي” الذي يربط بين طهران وبيروت، مرورا ببغداد ودمشق انتهى عمليا. نجد الآن وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف يزور دمشق كي يأخذ علما بانتهاء الخدمات المتبادلة بين النظامين العلوي والنظام الجزائري، وهي خدمات تقوم على دعم سياسي جزائري لحافظ الأسد ثم لبشّار الأسد في مقابل دعم سوري لـ“بوليساريو” وهي أداة جزائرية تستخدم في شنّ حرب استنزاف على المغرب ووحدة ترابه الوطني. هل جاء عطاف إلى دمشق في محاولة لإبقاء الارتباط بين دمشق و“بوليساريو” وهو ارتباط ليست إيران بعيدة عنه. يبدو أن الجانب الجزائري تصالح مع الواقع السوري بعد زوال وجود “بوليساريو” ومكاتبها في دمشق. فرّت “بوليساريو” مع فرار بشّار الأسد إلى موسكو!
المهمّ في الأمر أن تفاعلات الحدث السوري امتدت إلى شمال أفريقيا، امتدت من بيروت إلى الجزائر. إنه زلزال شعرت به دولة مثل الجزائر كان النظام فيها العضو غير المعلن في “جبهة الممانعة” بقيادة إيران…
لم يجد النظام الجزائري ما يقدمه لسوريا الجديدة غير وعد بالمساعدة من أجل رفع العقوبات عنها في مجلس الأمن. ليس سرّا أنّ رفع العقوبات قرار أميركي أوّلا وأوروبي بالدرجة الثانية. أقرّت هذه العقوبات بسبب الجرائم التي ارتكبها نظام بشار الأسد في حق الشعب السوري، وهي جرائم سكت النظام الجزائري عنها في كلّ وقت. ليس طبيعيا تجاهل النظام الجديد في سوريا هذا الصمت الجزائري، بل التواطؤ مع النظام العلوي الذي لم يكن لديه في يوم من الأيام سوى سياسة واحدة تقوم على ابتزاز الدول العربيّة عن طريق ممارسة الإرهاب بالتنسيق مع إيران.
تغيّرت سوريا كلّيا. لا يمكن إلّا أن يأتي يوم تتخذ فيه موقفا مع الحقّ، أي مع مغربيّة الصحراء. لن تنطلي المناورة الجزائرية التي تولاها أحمد عطّاف على أحد. لن تتمكن دمشق من تجاهل تاريخ العلاقة بين “بوليساريو”، التي ليست سوى أداة جزائرية و”حزب الله” في لبنان!