القاهرة لا تزال متوجسة.. الإخوان مربط الفرس
يعكس تخلف القاهرة إلى حد الآن عن التواصل مع السلطات الجديدة في سوريا قلقا عميقا من تأثير الأحداث المتسارعة في دمشق على الداخل المصري، لاسيما في علاقة بجماعة الإخوان المسلمين.
القاهرة – من ضمن أكثر من 200 لقاء عقده الرئيس السوري أحمد الشرع مع رؤساء دول ووفود غابت مصر، ما يشير إلى أن القاهرة لا تزال باردة تجاه السلطات الجديدة في دمشق.
وتنظر القاهرة إلى التطورات الأخيرة في سوريا بقدر كبير من الخوف والقلق، إذ أن استيلاء هيئة تحرير الشام على البلاد بسرعة في ديسمبر الماضي جعل المسؤولين المصريين يتوجسون من إمكانية أن تشجع الحكومة الجديدة في دمشق الجماعات الإسلامية الأخرى، مثل جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر.
وفي الوقت نفسه كانت مصر تتوق منذ فترة طويلة إلى إقامة علاقات وثيقة مع سوريا وتريد منع المنافسين الإقليميين، وخاصة تركيا، من أن يصبحوا اللاعب المهيمن هناك.
ويرجح جريجوري أفتانديليان أستاذ السياسة في جامعة بوسطن الأميركية، في تقرير نشره المركز العربي لواشنطن دي سي، أن تدفع هذه المصالح المتعارضة للقاهرة إلى التحرك بحذر لتطوير العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة مع تحذير قادة هيئة تحرير الشام من عدم استخدام انتصارهم الأخير ليصبحوا ملاذاً لمعارضي الحكومة المصرية.
وقد يشير اعتقال الحكومة التي تهيمن عليها هيئة تحرير الشام مؤخراً للمعارض المصري البارز أحمد المنصور إلى أن دمشق تتفهم المخاوف المصرية. ولكن السلطات في القاهرة تريد أن ترى المزيد من الجهود وتشكيل حكومة أكثر شمولاً قبل التفكير في تحسين العلاقات بشكل حقيقي.
من المرجح أن يضغط السيسي على زعماء سوريا الجدد لتجنب استضافة جماعة الإخوان المسلمين قبل أي تحسن في العلاقات
وصُدمت مصر بالتقدم السريع لهيئة تحرير الشام في أوائل ديسمبر 2024، بل وأعلنت دعمها لبشار الأسد قبل ثلاثة أيام فقط من فراره من سوريا إلى روسيا.
وبعد وقت قصير من سقوط نظام الأسد حذر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من “خلايا نائمة” في مصر تحاول جلب الفوضى إلى البلاد، في إشارة غير مبطنة إلى جماعة الإخوان المسلمين المصرية، التي أصدرت بياناً هنأت فيه الشعب السوري على الإطاحة بـ”نظام الأسد الخائن”.
وفي أعقاب هذا البيان دعت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تابعة لجماعة الإخوان إلى “ثورة حقيقية” في مصر من شأنها “اقتلاع الطغيان”.
وقبل وقت قصير من الإطاحة بنظام الأسد ظهر الشرع في صورة مع زعيم الإخوان المسلمين المصري محمود فتحي، الذي حكم عليه في مصر بالإعدام غيابيًا لقتله المدعي العام.
ونظرًا للضغوط الاقتصادية الشديدة التي يعاني منها الشعب المصري، مع ارتفاع معدلات التضخم (وخاصة أسعار المواد الغذائية) وانخفاض قيمة الجنيه المصري بشكل كبير مقابل الدولار ما جعل السلع المستوردة أكثر كلفة، تشعر الحكومة المصرية بالقلق من احتمال أن تستغل جماعة الإخوان المسلمين أو الجماعات الإسلامية الأخرى انتصار هيئة تحرير الشام في سوريا لتأجيج الغضب العام في مصر.
وقد تكون القاهرة قلقة من أن بعض السوريين الذين يدخلون مصر الآن قد يكونون عملاء لهيئة تحرير الشام أو الإخوان المسلمين متنكرين في هيئة لاجئين بهدف زرع المعارضة أو حتى الثورة في البلاد.
القاهرة لم تنخرط في اجتماعات وجها لوجه مع الزعماء السوريين الجدد، على النقيض من المسؤولين من السعودية والإمارات وقطر والأردن
ونتيجة لذلك فرضت قيودًا صارمة على دخول المهاجرين السوريين، وطالبتهم بالخضوع لفحص الخلفية من قبل القنصليات المصرية قبل دخول مصر (وهي عملية طويلة جدًا)، مع إعفاء أولئك الذين يحملون تصاريح إقامة مؤقتة.
ولم تنخرط القاهرة في اجتماعات وجها لوجه مع الزعماء السوريين الجدد، على النقيض من المسؤولين من السعودية والإمارات وقطر والأردن، الذين استقبلوا وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني في أوائل يناير الماضي. وكل ما فعلته مصر حتى الآن هو إرسال طائرة محملة بالمساعدات الإنسانية إلى سوريا في أوائل يناير وإجراء محادثة هاتفية مع وزير خارجيتها بدر عبدالعاطي.
ووفقاً لبيان القاهرة، دعا عبدالعاطي نظيره السوري إلى السعي لـ”انتقال سياسي شامل بقيادة السوريين دون تأثير خارجي، والحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وهويتها العربية.”
وعلى الرغم من أنها تبقي على مسافة بينها وبين النظام السوري الجديد في الوقت الحالي، فإنه من المرجح أن مصر لا تريد أن تُستبعد من مستقبل سوريا. فهي ترى أن دول الخليج العربية تحاول تنمية العلاقات مع القيادة السورية الجديدة على الرغم من بعض الشكوك بين عدد قليل منها بشأن الأيديولوجيا الإسلامية لهيئة تحرير الشام.
وإلى حد الآن يلعب قادة هيئة تحرير الشام لعبة ذكية تتمثل في الحديث عن حكومة سورية شاملة والتقليل من أهمية الماضي المتطرف لهيئة تحرير الشام. ومن المؤكد أن هذه الإستراتيجية تهدف جزئياً إلى استقطاب أموال طائلة من دول الخليج العربية للمهمة الضخمة المتمثلة في إعادة بناء المدن السورية التي مزقتها الحرب، والتي قد تكلف أكثر من 400 مليار دولار.
ولكن قادة هيئة تحرير الشام يدركون أيضاً أن المال يأتي بالنفوذ السياسي، ومع النفوذ السياسي تأتي التبعية، ولذلك يسعون إلى توسيع نطاق دعمهم في العالم العربي. ومن هنا قرروا في منتصف يناير اعتقال أحمد المنصور كبادرة حسن نية تجاه الحكومة المصرية، التي ربما طالبت سراً بهذا الإجراء.
على الرغم من أن مصر لا تزال على علاقة جيدة مع دول الخليج العربية، إلا أنها تنظر إليها أيضا كمنافسين على الزعامة العربية
وربما لا يعتقد قادة هيئة تحرير الشام فقط أنه من المهم وجود مجموعة واسعة من الدول العربية التي تدعم حكومتهم، بل يريدون أيضا من هذه الدول التي تربطها علاقات جيدة بواشنطن أن تشجع الولايات المتحدة على إزالة مجموعتهم من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو التصنيف الذي يعيق قدرة هيئة تحرير الشام على الوصول إلى رأس المال من البنوك الدولية ومواصلة المعاملات التجارية.
ومن جانبها قد تعتقد القاهرة في نهاية المطاف أنها ستخسر أكثر مما ستكسب إذا بقيت بعيدة عن سوريا. وإذا بدأت دول الخليج في ضخ أموال إعادة الإعمار في سوريا، على سبيل المثال، فقد ترى مصر فرصة، حيث يمكن لشركات البناء المصرية أن تشارك في هذا المسعى.
وعلى الرغم من أن مصر لا تزال على علاقة جيدة مع دول الخليج العربية، إلا أنها تنظر إليها أيضا كمنافسين على الزعامة العربية ولن ترغب في التنازل عن دولة سوريا المهمة لها على حسابها الخاص.
ولكن قبل أن يحدث أي تحسن في العلاقات مع هيئة تحرير الشام، من المرجح أن يضغط السيسي على زعماء سوريا الجدد لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الإسلاميين المصريين الآخرين داخل البلاد، ووقف دعايتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وتجنب استضافة جماعة الإخوان المسلمين. كما تريد القاهرة من الحكومة السورية الجديدة أن تحافظ على كلمتها بشأن تعزيز حكومة شاملة، وهو ما يعني إشراك أعضاء من الأقليات، على أمل أن تعمل مثل هذه العناصر كتحوط ضد الأيديولوجيا الإسلامية لهيئة تحرير الشام.
ولن تكون متابعة مثل هذه السياسات سهلة، وخاصة إذا طالبت القاهرة بتسليم مواطنيها المعارضين في سوريا إلى مصر لمحاكمتهم وسجنهم، وهي الخطوة التي قد يقاومها زعماء هيئة تحرير الشام.
ومع ذلك كانت مصر تلعب دور المحدد للسياسة العربية الداخلية لفترة طويلة، وبعد صدمتها ويأسها الأولي إزاء الواقع الإسلامي الجديد في سوريا، من المحتمل أن تعود إلى اللعبة مرة أخرى.