ما لم يتمكّن الرئيس الأميركي جو بايدن من فعله طيلة ثلاث سنوات، فعله خلفه دونالد ترامب بأقل من شهر. فقد أعلن الأخير عن لقاء مفترض مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في السعودية، لإطلاق مفاوضات مرتبطة بالحرب الأوكرانية. أسئلة كثيرة تطرح عن هذه المناقشات وما قد يحمله الطرفان من شروط وتنازلات، وعن السعودية كموقع مختار ودلالاته والدور الذي قد تؤدّيه الأخيرة.
قبل أيام قليلة، أطلقت كل من واشنطن وموسكو إشارات مرتبطة بالمفاوضات والأرضية المشتركة التي يمكن الانطلاق منها، وإذ قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف للصحافيين إن طرح كييف تبادل مناطق محتلة “أمر مستحيل”، لاقاه وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث معتبراً أن انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو” وعودتها إلى حدود 2014 “هدفان غير واقعيين”.
حدود أوكرانيا الجديدة
محلل الشؤون الخارجية، المتخصّص في شأن أوروبا الشرقية وروسيا، أولريتش بومان، المقيم في باريس، يتحدّث لـ”النهار” عن أهداف اللقاء، ويشير إلى أن “ترامب يريد التعاون مع روسيا لوقف الحرب وتحقيق صفقة ضخمة، فيما بوتين يريد إنهاء الاشتباك من جهة، ومصافحة ترامب لإرسال رسالة مفادها عودته إلى الساحة الدولية، وعودة روسيا كقوة دولية”.
مناقشة المسألة الأوكرانية سوف تنطلق من أرضية مشتركة، وهي “اعتماد خطوط الحرب الأمامية كحدود بين روسيا وأوكرانيا، أي استمرار سيطرة روسيا على الأراضي التي احتلتها في أوكرانيا، باستثناء كورسك التي لن يقبل الروس ببقاء الأوكرانيين فيها”، وفق ما يرى بومان، الذي يقول إن الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي “بدأ يتقبّل هذا الواقع” رغم رفضه له.
تهميش أوروبا
لكن أوكرانيا لن تكون الطبق الوحيد بين الزعيمين الروسي والأميركي، بل إن مستقبل العلاقات الثنائية والملف الأوروبي سيكونان حاضرين، ووفق تقديرات بومان، “فإن بوتين سيطرح مسألة العقوبات المفروضة على موسكو، وسيناقش الجانبان مسألة الأمن الأوروبي في المستقبل”، إلّا أن أوروبا الحاضرة بالمفاوضات كملف والغائبة كطرف غاضبة من تحييدها وحرمانها من دورها السياسي.
وفي هذا السياق، عبّر الاتحاد الأوروبي عن خيبته بسبب استبعاده وأوكرانيا عن المفاوضات، واعتبر أن “أي اتفاق بشأن أوكرانيا يتم التوصل إليه من دون إشراك الاتحاد الأوروبي سيفشل، وأي اتفاق يتم خلف ظهورنا لن ينجح، وسيحتاج إلى أن تكون أوكرانيا وأوروبا طرفاً فيه” لينجح، لكن ذلك لا يلغي فرص تحقيق المفاوضات خرقاً ملحوظاً، كون القرار في موسكو وواشنطن أكثر مما هو في بروكسل.
بومان يقول إن “المفاوضات من المرتقب أن تكون منتجة، لأن الطرفين يريدان التوصّل إلى اتفاق، وأوروبا أمام خطر مواجهة “اتفاق جيّد”، ولا خيار أمامها سوى القبول بالواقع أو تقديم خطّة أفضل لترامب وعروض مادية ضخمة له” لإغرائه بهدف إعادتها إلى الطاولة، لكن ذلك لا يلغي أن الرئيسين الأميركي والروسي همّشا أوروبا من خلال نقطتين.
موقع استثنائي للسعودية
نقطة التهميش الأولى تمثّلت باستبعادها عن المفاوضات، لكن النقطة الأهم الثانية كانت عقد اللقاء في السعودية وليس دولة أوروبية محايدة، كسويسرا، وفي موقع اللقاء تكمن رسائل كثيرة يقرأها بومان، منها ما هو مرتبط بتهميش أوروبا وإلغاء دورها السياسي في المفاوضات، ومنها ما هو متعلّق بدور السعودية المتقدّم والوسطي.
ويتحدّث عن تفاصيل الدور السعودي وما يمكن للرياض تقديمه لإنجاح هذه المفاوضات، فيقول إن السعودية وولي عهدها الأمير بن سلمان “وضعا نفسهما في الآونة الأخيرة كطرف وسطي قادر على التواصل مع الجميع، وبمصاف القادة العالميين، وقادة دول المجتمع غير الغربي، وقد تمكّنا من التموضع في هذا الموقع بعد التوازن الذي أحدثاه في علاقاتهما مع الولايات المتحدة والسعودية”.
في المحصّلة، فإن الأنظار ستكون مشدودة إلى نتائج اللقاء وحيثياته وما إذا كان قادراً على وقف الحرب في أوكرانيا، والموقف الأوروبي منه، لكنه بالتأكيد سيكون له نتائج فعلية على مستوى روسيا وبوتين، كون إجرائه سيسجّل نقطة ربح بميزان موسكو.