لم يكن للإشاعة المتداولة عن طلب الجزائر من دمشق الإفراج عن جنود لها أسرى في السجون السورية ليمر من دون أن يُحدث هزة إعلامية وسياسية على المستويين المحلي والإقليمي.
فالجزائر المعروفة بالتزامها منذ عقود عدم تجاوز جنودها حدود البلد في كل الأزمات، سواء المحيطة بها أم البعيدة، لا يمكنها بأي حال من الأحوال الخروج عن قاعدة ظلت علامة مسجلة بالنسبة إليها، يقول متابعون.
ولئن كان الخبر الذي نشر على نطاق واسع قد صُنف في الجزائر ضمن خانة الأخبار المغلوطة، فإن التساؤل يتمحور عن المستفيد من رواجه وهل كان على الجزائر الرد.
يقول المحلل السياسي عبد الحق بن سعدي، لـ”النهار”، إن تاريخ المؤسسة العسكرية في الجزائر “لم يثبت فيه أي تعاون مع أنظمة في هذا المجال”، مضيفا أن الجزائر رفضت المشاركة في تحالفات عسكرية دولية وعربية كونها تستهدف التدخل في شؤون الدول.
ويؤكد أن ما نقلته بعض المواقع الإعلامية لا أساس له من الصحة ويحمل بصمة معادية للجزائر بشكل واضح.
ويرفض بن سعدي تسمية ما تم نشره بالخبر، مشيرا إلى أنه “إشاعة ومضمونه غير مُؤسَّس انطلاقا من تسمية الوزير وصولاً إلى عقدة الموضوع”، باعتبار المعلومات الخطأ الواردة في الخبر المغلوط ومن بينها تسمية وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة بدل الوزير الحالي أحمد عطاف.
وعلى افتراض وجود رابط بين الدعم السياسي الذي كانت تبديه الجزائر لنظام بشار الأسد البائد، وبين إرسال جنودها إلى سوريا، فإن المنطق قد لا يستقيم في ظل عدم الحديث عن الموضوع طيلة السنوات الـ14 الماضية من عمر الأزمة السورية، ناهيك بالمبدأ الحازم للجيش الجزائري في هذا الشأن.
ويؤكد بن سعدي أن “العقيدة العسكرية للجيش الجزائري تقوم على عدم التدخل في شؤون الدول انسجاماً مع مبادئ السياسة الخارجية للجزائر”، مضيفا أن “الدستور الأخير ألزم تمرير قرار إرسال قوات في إطار دعم السلم ضمن جهود دولية تقوم بها المنظمات الدولية كالأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي، إلى البرلمان من أجل التصويت عليه وهو ما لم يحدث البتة. ومن مصدر الخبر المغلوط ندرك أن الهدف هو محاولة التأثير السلبي على جهود التقارب الجزائري السوري بعد سقوط نظام الأسد ، بخاصة أن الجزائر لم تحرك ساكنا مباشرة بعد تولي هيئة تحرير الشام مقاليد الحكم، في الوقت الذي سارعت فيه دول مختلفة إلى ربط الاتصالات وحتى التعاون معها من قبل ومن بعد”. وذكّر بمبدأ الجزائر الراسخ في عدم التعامل مع الجماعات “بل تتعامل مع الأنظمة”، وهذا ما يفسر زيارة وزير الخارجية أحمد عطاف دمشق بعد الإعلان عن بدء المرحلة الانتقالية وتولي أحمد الشرع منصب رئيس جمهورية موقت.
ويتابع أن الاعتقاد الذي كان سائداً هو مقاطعة الجزائر للنظام السوري الجديد لاعتبارات عدة، غير أن زيارة عطاف ونجاحها وإبداء الجزائر استعدادها لمساعدة سوريا في المحافل الدولية وبخاصة في مجلس الأمن الدولي، يبدو أنها “فاجأت البعض، فتم اختلاق هذه الإشاعة”.
أما بخصوص صمت السلطات الجزائرية حيال الموضوع، فإن بن سعدي يؤكد أن للجزائر أسلوباً في التعامل مع مواضيع كهذا يقوم على الخبر الرسمي لا على الأخبار المغلوطة، مشيرا إلى أن العلاقات بين الجزائر وسوريا تاريخية وقديمة جدا “ولا يمكنها أن تتأثر سلبا بإشاعة هدفها عرقلة جهود التقارب والتواصل بين الجزائر والنظام السياسي الجديد الذي يتشكل حالياً في سوريا”.