تجربة هولندا: الانتخابات كأداة للإنقاذ
خرجت هولندا من الحرب العالمية الثانية مدمَّرة اقتصاديًا، جائعة، تعصف بها الفيضانات من وقت لآخر. كانت البلاد تواجه نقصًا حادًا في الغذاء، انهيارًا في البنية التحتية، وانعدام الأمن. ومع ذلك، لم يكن هناك تردد أو انتظار.
في ظل هذه الظروف القاسية، كان أول قرار حاسم هو إجراء الانتخابات وإعادة بناء مؤسسات الدولة بعد ثمانية أشهر فقط من انتهاء الحرب. لم تكن الانتخابات ترفًا أو مرحلة لاحقة من التعافي، بل كانت الحل الأول والأساسي لضمان الاستقرار وإعادة الحياة إلى البلاد.
دول أخرى أجرت انتخاباتها بعد شهرين فقط من انتهاء الحرب، إدراكًا منها أن أي عملية إعادة إعمار بدون شرعية سياسية ومؤسسات منتخبة ستظل هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة.
الواقع السوري: احتفالات بلا إنجازات
في سوريا، رحل الدكتاتور منذ أكثر من شهرين، وانتهت الحرب، لكن بدلاً من السعي إلى بناء دولة على أسس ديمقراطية، انشغل السوريون بالهتافات والتصفيق لحكومة لم تأتِ بانتخابات، بل بانقلاب جديد.
في الوقت الذي كان ينبغي أن يكون فيه الحديث عن متى ستُجرى الانتخابات؟ وكيف سيتم تنظيمها؟، يتم تجاهل هذه القضية بالكامل. وبدلاً من التحرك نحو بناء نظام شرعي، تُعلَّق الآمال على حوارات جوفاء ولقاءات دولية لم ولن تؤدي إلى أي تغيير حقيقي تخدر بها سلطة الأمر الواقع جموع البلهاء.
أما الانتخابات، التي تُعد الحل الوحيد كبداية لإعادة بناء الدولة، فيتم تأجيلها لخمس سنوات وربما أكثر، وكأن البلاد تستطيع الانتظار، وكأن الأوضاع الحالية قابلة للاستمرار!
لا يمكن بناء دولة مستقرة دون شرعية سياسية. الحكومات التي تأتي بانقلابات أو تعيينات خارجية تظل ضعيفة، متخبطة، وعاجزة عن تحقيق الاستقرار.
التوصية: لا عذر لتأجيل الانتخابات
الانتخابات ليست معجزة تحتاج إلى سنوات للتحضير. بجهود منظمة، يمكن إجراؤها خلال ثلاثة إلى ستة أشهر، لتشكيل حكومة منتخبة تتولى إعادة بناء الدولة.
كل يوم يمر دون حكومة شرعية يعني مزيدًا من الفوضى، مزيدًا من الفساد والفقر، مزيدًا من المعاناة والقمع. وإن لم يُحسم الأمر قريبًا، فليس من المستبعد أن يجد السوريون أنفسهم أمام استبداد جديد، أكثر قمعًا من سابقتها، تفرض قوانين تعسفية غير مسبوقة في تاريخ البلد. لن يمر الكثير من الوقت ليسير نصف السوريين مهروسي العظام من عقوبة الرجم لأنهم ” مارسو الزنا بالعين” والنصف الآخر بإيد وحدة ورجل وحد لأنهم “عاثوا في الأرض فساداً” بمعية سعادة وزير العدل الويسي قدس الله سره.