الأتراك يرفضون تسوية مع طهران لا تحفظ مكاسبهم في سوريا.
من سيقبل بإعادة تأهيل إيران
طهران – تعامل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من خلال زيارته إلى إيران كما لو أن العالم لم يشهد تغييرات كبيرة بسبب طوفان الأقصى وحربي غزة ولبنان، وأن قطر ما تزال قادرة على القيام بوساطات وتسويات مثلما كان الوضع في فترة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
لكن متابعين للشأن الخليجي يرون أن الدوحة لم تقرأ نتائج حرب 2023 – 2024 في غزة ولبنان، والتي غيرت أنظار الأطراف المؤثرة في المنطقة إلى السلام والوساطات والاتفاقيات، مشيرين إلى أن ما يريد الشيخ تميم تحقيقه من تسويات يفوق قدرات بلاده، وأن زيارة إيران قبل الحرب ليست هي نفسها بعد الحرب.
تجد إيران نفسها في مرحلة عنوانها الاستهداف الأميركي والإسرائيلي، وهذه مرحلة تتجاوز العقوبات المشددة وتجميد الأموال، إلى وضع يكون فيه الخيار العسكري مقدما على غيره من الخيارات.
على القطريين أن يأخذوا في حسابهم المتغيرات، فلا مؤشرات على أن واشنطن تعتمد عليهم للتواصل مع حماس أو إيران
وجرب الإسرائيليون الاستهداف العسكري المباشر ضد الإيرانيين أكثر من مرة سواء داخل إيران أو في سوريا، ووجدوا أن الأمر ليس معقدا، وأن قدراتهم العسكرية والاستخبارية تفوق بكثير قدرات إيران.
ولا يرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أيّ داع لبناء علاقة مباشرة مع إيران، وهو يستمر في خيار “الضغوط القصوى” الذي تبناه في ولايته الرئاسية الأولى. كما أنه يدعم أيّ إجراء إسرائيلي ضد إيران.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد لقائه الأحد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، إن إسرائيل وجهت “ضربة قوية” لإيران منذ بدء الحرب في غزة وإنه بدعم من ترامب “ليس لديّ شك في أننا نستطيع وسننجز المهمة”.
وتطرح المواقف الإسرائيلية والأميركية الحادة ضد إيران التساؤل حول مسوّغ زيارة الشيخ تميم إلى طهران، وهل أنه جزء من وساطة وإيصال لمطالب أميركية أم استمرار في علاقة تعتبر اختراقا لخطوط ترامب الحمراء، وقد تجلب لقطر مشاكل تضاف إلى اتهامات سابقة لها بدعم حماس.
ومن الواضح أن أمير قطر يستمر في التعامل مع الموقف الأميركي من إيران ضمن مرونة بايدن التي تتيح للدوحة التحرك وإظهار مواقف داعمة لإيران ولأذرعها في المنطقة ومعارضة سياسات أميركا نفسها، وهو أمر لا شك أنه تغير، وأن سعي الدوحة لكسر تشدد واشنطن ضد طهران لن يمر دون رد أميركي وإسرائيلي منتقد لتحرك قطر وسياسة فتح القنوات مع خصوم أميركا.
وبعد هذه الزيارة سيجد القطريون أن وضع بلادهم لم يعد كما كان، مريحا وقبلة للزيارات والمسؤولين، وأن عليهم أن يأخذوا في حسابهم المتغيرات، فليس هناك مؤشرات على أن واشنطن ستعتمد عليهم في التواصل مع حماس أو طالبان أو إيران، وأن كل تلك القنوات مغلقة الآن في وجود تحالف متين بين ترامب ونتنياهو.
وفي مستوى ثان، ذهب الشيخ تميم إلى طهران من أجل البحث عن تسوية بينها وبين الإدارة السياسية الجديدة في سوريا، وهو ما أشار إليه في المؤتمر الصحفي المشترك حين قال إنه تحدث مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان عن أهمية إنجاح العملية السياسية الشاملة في سوريا.
وليس معروفا ماذا يريد الشيخ تميم من الإيرانيين: هل الاعتراف بالأمر الواقع في سوريا وتعهد طهران بأنها لن تربك عمل إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع، وهل هذا عرض واقعي يمكن أن تتفاعل معه إيران، أم سيعرض عليها اعترافا بالوضع مقابل تأمين مصالحها القديمة في دمشق، وما هي هذه المصالح، هل تشمل الاستمرار في تهريب السلاح والمال لحزب الله، ومن سيقبل بهذا، وهل يسمح الأميركيون والإسرائيليون بهذه العودة حتى لو قدّم الإيرانيون تنازلات كبيرة؟
بعد هذه الزيارة سيجد القطريون أن وضع بلادهم لم يعد كما كان، مريحا وقبلة للزيارات والمسؤولين، وأن عليهم أن يأخذوا في حسابهم المتغيرات
ويتناسى القطريون بأن تسوية مثل هذه مع إيران ستغضب تركيا، التي يعود لها الفضل الأول في تنفيذ خطط إسقاط الأسد حتى لو كان القطريون هم من دعّموا وموّلوا. وإذا كانت الدوحة تكتفي من التغيير في سوريا بنتيجة إسقاط الأسد والتمكين لحلفائها الإسلاميين، فهذه بالنسبة إلى الأتراك مجرد تفاصيل غير ذات قيمة، وما يهمهم أكبر من ذلك بكثير.
ويريد الأتراك نفوذا إستراتيجيا في سوريا يشمل قواعد عسكرية وتأثيرا مباشرا على الجيش والأمن في سوريا ونفوذا اقتصاديا كبيرا في القطاعات الحيوية التي كانت تحت نفوذ الأسد والمحيطين به.
فهل يقدر القطريون بعرض التسوية الذي يقدمونه على إرضاء إيران وتركيا في نفس الوقت، وهو أمر صعب، فلم يدخل الإيرانيون إلى سوريا لمجرد دعم الأسد وهزيمة “الإرهابيين” فقد كانت تلك حجة ظاهرية للاستهلاك الإعلامي. وكانوا يريدون نفوذا على المؤسسات الأمنية والعسكرية والمالية، وهذا ما يريده الأتراك الذين أطاحوا بالأسد واستبدلوه بإدارة موالية لهم مثلما كان هو مواليا لإيران وروسيا.
ولو كان هناك باب ممكن للتسوية لم تكن تركيا ولا إيران في حاجة إلى زيارة أمير قطر، فالاتصالات قائمة، لكن تناقض المصالح يمنع من التوصل إلى تفاهمات.
وقال أمير قطر في المؤتمر الصحفي مع الرئيس الإيراني إن زيارته إلى طهران تأتي “في وقت تشهد فيه المنطقة تحديات تتطلب التشاور والتنسيق بشأنها”. وأضاف “تناولنا الظروف الصعبة في المنطقة، واتفقنا على أن السبيل الأمثل لحل النزاعات هو الحوار البناء”.
وجدد دعم الدوحة لإقامة علاقات خليجية – إيرانية قائمة على “الحوار البناء والاحترام المتبادل”. كما شدد أمير قطر على أن الدوحة “ملتزمة بإنجاح اتفاق غزة، تمهيدا لإعادة الإعمار ومواصلة مساعي إقامة الدولة الفلسطينية”.