في الرابع من شباط الحالي، توفّي الأمير كريم الحسينيّ، الإمام التاسع والأربعون للطائفة الإسماعيلية الآغاخانيّة، وتولّى من بعده نجله، الأمير رحيم. الإمام الراحل، يملك الجنسيّتين البريطانية والبرتغالية. وكان رجل أعمال، ومربّي خيول، ورياضيّاً، كما كان جدّه وسلفه في الإمامة، الآغا خان الثالث. إلى ذلك، دُفن في مصر، التي كانت مقرّ الخلافة الفاطمية الإسماعيلية. فما هي الإسماعيلية الآغاخانيّة؟ وما علاقتها بالفرقة الشيعية الإسماعيلية الأساسية؟ وما نوع الارتباطات التي تتمتّع بها حتى اليوم مع بريطانيا راعيتها التاريخيّة؟
الفرق الشيعية الثلاث التي أثبتت وجودها وفعّاليّتها عبر التاريخ، من بين عشرات الفِرق الشيعية التي أحصاها العلماء القدامى، هي:
1- الزيدية في اليمن الشمالي بعدما كانت منتشرة في طبرستان الواقعة بين شمال إيران وجنوب غرب تركمانستان. وامتدّ نفوذ الزيدية إلى مركز الخلافة العباسية في العراق، من خلال الدولة البويهية.
2- الاثنا عشرية في إيران خاصة، وبنسبة أقلّ في العراق ولبنان وأفغانستان.
3- الإسماعيلية في شتاتها الواسع في أنحاء العالم بعد اندثار دولها، وكانت تسيطر على مساحات شاسعة من العالم الإسلامي بين المغرب ومصر بشكل أساسي، ثمّ في أجزاء من الشام والعراق وإيران، كخلافة فاطمية بديلة من الخلافة العباسية. وتركّزت أخيراً في شبه القارّة الهندية التي تأسّست فيها طائفة خاصّة من الإسماعيلية النزاريّة، سُمّيت بالإسماعيليّة الآغاخانيّة.
تتميّز الطائفة الآغاخانيّة، وهي الأحدث ظهوراً في القرن التاسع عشر، بحضور قادتها في الأوساط الدولية، ونفوذهم السياسي. وهو ما لا يتناسب مع حجمها الصغير نسبيّاً، بالمقارنة مع العدد الإجمالي للفرقة الإسماعيلية بكلّ طوائفها (التقديرات تتفاوت كثيراً بين بضعة ملايين و15 مليوناً أو أكثر). ويحظى أئمّتها بثروات كبيرة، ومظاهر لافتة للرفاهية وترف العيش. لكن من جانب موازٍ، تنشط إمامة الآغاخانيّة في الأعمال الخيرية لرعاية المحتاجين من أتباعها بشكل خاصّ.
تتميّز الطائفة الآغاخانيّة، وهي الأحدث ظهوراً في القرن التاسع عشر، بحضور قادتها في الأوساط الدولية، ونفوذهم السياسي
الإسماعيليّة الآغاخانيّة
الإسماعيليّة الآغاخانيّة فرع من الفرقة الإسماعيلية الأمّ التي أقامت ثلاث كتل سياسية في التاريخ الإسلامي الوسيط: الدولة الفاطمية (909-1171م)، وكانت دولة كبرى منافسة للدولة العباسية، ودولة القرامطة (899-1077م)، وقامت على أطراف الجزيرة، والشام، وتخوم مصر، ودولة الحشّاشين (1090-1275م)، التي اعتصمت بسلسلة الجبال الإيرانية جنوب بحر قزوين، وفي بعض مناطق الشام.
تنتمي دولتا القرامطة والحشّاشين، كما اصطلح المؤرّخون على تسميتهما، إلى الفرقة الإسماعيلية النزاريّة، نسبة إلى نزار ابن الخليفة الفاطميّ المستنصر بالله (توفّي عام 1094م)، الذي حُرم من خلافة والده الذي أوصى له، ونُقلت إلى أخيه أحمد المستعلي بالله، بدعم من رجال الدولة، فنشأ ما يسمّى بالإسماعيلية المستعلية.
الإسماعيلية
لذا الإسماعيلية النزارية هي انشقاق ديني وسياسي عن الدولة الفاطمية. لكن قبل التوسّع قليلاً في فهم المميّزات التي تجعل من الإسماعيلية الآغاخانيّة تطوّراً لا انشقاقاً عن الإسماعيلية النزارية، لا بدّ من طرح الأسئلة الأوّلية عن ماهيّة الفرقة الإسماعيلية، وكيفية نشوئها، وما علاقتها بالشيعة الاثني عشرية؟ ما هي عقائدها؟
الشّيعة والاختلاف على الإمامة
السبب الرئيسي لنشأة الشيعة كفرقة دينية، هو نفسه عموماً سبب نشأة كلّ الفِرق الإسلامية الأخرى عبر التاريخ، وهو الخلاف في تحديد الإمام الحقّ بعد وفاة الرسول. كما أنّ اختلاف الشيعة فيما بينهم على أحقّية الإمامة بعد عليّ وولديه الحسن والحسين، هو الذي أدّى لاحقاً إلى ظهور فِرق متنافسة على الشرعية الشيعية. فالزيدية هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (قُتل عام 740م)، ويرون أنّ الإمامة منحصرة في ذرّية الحسن والحسين، مع انطباق وصف معيّن على الإمام، وهو خروجه على السلطان الجائر.
الإسماعيليّة الآغاخانيّة فرع من الفرقة الإسماعيلية الأمّ التي أقامت ثلاث كتل سياسية في التاريخ الإسلامي الوسيط
أمّا الاثنا عشريّة فعُرفوا بذلك لاعتقادهم بإمامة اثني عشر رجلاً، علي والحسن والحسين، والبقيّة من نسل الحسين. أمّا الإسماعيلية فيختلفون عن الإمامية الاثني عشريّة في أنّهم يعتقدون أنّ إسماعيل بن جعفر الصادق لم يمت في زمان أبيه، وأنّ الإمامة انتقلت إليه، أي أنّه الإمام السابع. لذا يُطلق عليهم أيضاً اسم “الشيعة السبعيّة”. وعُرف الإسماعيلية في كتب التراث الكلاميّ بـ”الباطنية”، لأنّهم يقولون: للنصّ ظاهر وباطن.
من الملاحظ أنّ أبا الحسن الأشعري (توفّي عام 936م)، وهو أحد أبرز أهل الكلام من السنّة، لم يذكر شيئاً عن الفرقة الباطنية في كتابه “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين”، ولم يضع الإسماعيلية في قائمة الفرق المُغالية الخارجة من الملّة. في حين أنّ أحد أشهر مؤرّخي الفرق الإسلامية، وهو عبد القادر البغداديّ الأشعري (توفّي عام 1037م)، يعمّم في كتابه “الفَرْق بين الفِرق” مصطلح الباطنيّة على كلّ طوائف الإسماعيلية.
يفرّق ابن المرتضى (توفّي عام 1437م) في كتابه “المِلل والنِّحل”، وهو أحد الأئمة الزيدية، بين الإسماعيلية كفرقة من فرق الشيعة الإمامية، وبين الباطنية كفرقة خارجة عن الإسلام، انتحلوه ظاهراً. وبحسب تعبيره، لا يكاد يُعرف مذهبهم لتستّرهم، وإحداثهم مذهباً في كلّ وقت.
يؤرّخ القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور التميمي (توفّي عام 974م)، وهو قاضي القضاة في الدولة الفاطمية، انطلاق الدعوة الإسماعيلية نحو إقامة الدولة، فيقول إنّه اكتسب الزخم من الاعتراض على اعتقاد الإمامية الاثني عشرية بغيبة الإمام المهدي وانتظارهم إيّاه.
في الرابع من شباط الحالي، توفّي الأمير كريم الحسينيّ، الإمام التاسع والأربعون للطائفة الإسماعيلية الآغاخانيّة
عقائد الإسماعيليّة
لقد جعل الإسماعيلية الإمامة أهمّ دعائم الدين بعد النبوّة الوصاية. والوصاية أرقى بدرجة واحدة من الإمامة. ولا يستقيم الدين من دون الإمامة، بل لا يمكن أن يبقى الكون لحظة واحدة من دون إمام. وهي مستمرّة أبد الدهر، وبدأت منذ آدم. ولا تزال الإمامة محور كلّ العقائد الإسلامية وفلسفتها.
إقرأ أيضاً: هل يصلح “الإسلام التّركيّ” لسوريا الشّرع؟
يذكر القاضي النعمان دعائم الدين عند الإسماعيلية، وهي الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد، والولاية. لكنّ الولاية هي أهمّ تلك الدعائم. فإنْ أطاع المؤمن الله ورسوله، وعصى الإمام أو كذّب به، فهو آثم، ولا تُقبل منه طاعة الله ولا طاعة رسوله. لقد جعل الإسماعيليون للإمامة مركزاً سامياً، وجعلوا الإمام مثَلَهم الأعلى، وعلى رتب ودرجات. ومن أصول الإسماعيلية بحسب الباحث مصطفى غالب صاحب كتاب “تاريخ الدعوة الإسماعيلية”، ضرورة وجود الإمام المعصوم المنصوص عليه، أي أن ينصّ عليه الإمام الذي سبقه، من دون تحديد عدد معيّن من الأئمّة كما عند الاثني عشرية.
*غداً في الحلقة الثانية: الإسماعيليّة الآغاخانيّة.. نشأتها ورجالاتها (2/2)