إيران تأخذ نصرالله إلى المدينة الرياضية… مرتين!
إيران التشدد والحرب انتصرت في النهاية على إيران التفاهم والحوار، وهذه الـ”إيران” الأخيرة، جرّت لبنان إلى حرب مدمّرة اتخذ قرارها (أو شارك فيه) حسن نصرالله، ودفع حياته ثمناً لها.
لن تكون المرة الأولى التي يدخل فيها السيد حسن نصرالله إلى ملعب كرة القدم في مدينة كميل شمعون الرياضية. هذه المرة يدخلها في نعش، فيما كانت المرة الأولى في 13 أيار/ مايو 2003.
حينها أيضاً، امتلأت المدرّجات المخصصة للمشجعين عن بكرة أبيها، في احتفال حاشد نظّمه “حزب الله” وحلفاؤه، بمناسبة زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية (الإصلاحي) محمد خاتمي بيروت.
في ذلك اليوم، وفي الصور الأرشيفية، يبدو نصرالله جالساً خلف المنبر يستمع إلى خطاب خاتمي، وهو يتحدّث عن لبنان القادر؛ بما له من مكانة في المنطقة، على “تقديم صورة هادئة وباعثة على الاطمئنان عن المدارس والأفكار”.
ويُكمل خاتمي بلغة عربية لكن بلكنة إيرانية خطابه، مناشداً لبنان حكومة وشعباً ومثقفين وإعلاميين وأحزاباً، بأن يعكفوا مرة أخرى على إشاعة خطاب السلام والتفاهم والحق والعدالة في كافة أرجاء المنطقة كما في العالم، وخلْق الأجواء المؤاتية للحوار الديني والسياسي والثقافي والاقتصادي على صعيد المنطقة”.
لم تكن إيران حينها تستفزّ جمهوراً واسعاً من اللبنانيين، لأنها لم تكن بعد تتدخل بشكل واسع في صياغة سياسات لبنان الداخلية، ولا كانت تقرر عن اللبنانيين في مجال الحرب والسلم، مع أنها لعبت دوراً أساسياً في تأسيس “حزب الله” وتمويله وتسليحه، لكن كان إيقاعها مضبوطاً على دقات الساعة الإقليمية. وشدد خاتمي في خطابه على أن إيران لا ترغب في المشاركة في أي تصعيد في المنطقة، وقال كلاماً يعكس ارتياح إيران إلى إسقاط نظام صدام حسين بالدبابة الأميركية، مشيراً إلى رغبتها في رؤية الشعب العراقي “وهو ينال حقّه في الحرية والتقدّم والسيادة الشعبية”.
شملت لقاءات خاتمي على هامش زيارته، مروحة كبيرة من السياسيين ورجال الدين، من مختلف الأحزاب والطوائف، كما زار حينها الجامعة اللبنانية، التي كرّمته بدكتوراه فخرية، وقد أشار في كلمة خلال وجوده في الجامعة، إلى أهمية حوار الحضارات واستكماله مستقبلياً بـ”الدعوة إلى المجتمع المدني العالمي”.
وأفكار خاتمي المنفتحة هذه، تراجع الحديث فيها في إيران اللاحقة، وتبدّلت النبرة والمصطلحات في علاقة إيران بلبنان. فحينما زار أحمدي نجاد لبنان في العام 2010، كان الأمر مختلفاً تماماً. لم يخطب الرئيس الإيراني نجاد من منبر رسمي كما فعل خاتمي من قلب مدينة كميل شمعون الرياضية، بل حشد له الحزب في ملعب الراية، حيث كان يُلقي نصرالله خطاباته بالجماهير.
بدا خطاب نجاد (المتشدد حينها) أكثر راديكالية وعداء للمجتمع الدولي، فيما كان خطاب خاتمي يدعو إلى التقارب والحوار، مع أن الرجلين لهما الموقف العقائدي والسياسي نفسه من إسرائيل، لكن كلاً منهما كان يعبّر بأدوات مختلفة عن الآخر، تعكس الصراع الداخلي الإيراني بين الإصلاحيين المنادين بالانفتاح على العالم، والمحافظين المنغلقين والمتشددين والداعين دائماً إلى الحرب. كانت إيران خاتمي تريد للبنان دوراً في صناعة السلام والحوار الديني والثقافي على مستوى المنطقة، وكانت إيران نجاد تريد للبنان دوراً في صراعات المنطقة، ومنصّة إيرانية للمواجهة مع إسرائيل وتحسين شروط تفاوضها مع المجتمع الدولي.
ويبدو أن إيران التشدد والحرب، هي التي انتصرت في النهاية على إيران التفاهم والحوار والسلام. وهذه الإيران الأخيرة، جرّت لبنان إلى حرب مدمّرة اتخذ قرارها (أو شارك فيه) حسن نصرالله، ودفع هو نفسه حياته ثمناً لها.
وهنا تبرز المفارقة المؤلمة: بعدما أخذت إيران المعتدلة نصرالله إلى ملعب المدينة الرياضية ليحتفي برئيس إصلاحي في العام 2003، تأخذه إيران المتشددة اليوم في نعش إلى الملعب نفسه، بعدما أخذت لبنان طابة تركلها في ملعبها الإقليمي، لتسجيل أهداف في مباراتها (مفاوضاتها) مع أميركا.