عشرات النساء والأطفال المفرج عنهم في إسرائيل كانوا محتجزين من دون تهمة أو محاكمة، وتؤكد مجموعة حقوقية أن الأمر يشكل انتهاكاً للقانون الدولي

عبادة وأمه بدرية صباح يوم إطلاق سراحه، بعد اعتقاله إدارياً طوال 17 شهراً من دون تهمة أو محاكمة (بيل ترو)

استيقظ الشاب الفلسطيني البالغ عمره 17 عاماً على صراخ أمه، وعلى مشهد عشرات  الذين كانوا يقتحمون مدخل منزله، قبل انقضاضهم على غرفة النوم.

وقد وجه أحدهم السلاح إلى الفتى، وهو تلميذ في المدرسة، وسأله صارخاً: “هل أنت عبادة؟” وفي موازاة ذلك، راح جندي آخر يستجوب شقيقه الأصغر الذي كان نائماً إلى جنبه في السرير. حصل ذلك في يونيو (حزيران) 2022.

وبالكلام عما حدث، روى عبادة خليل أن  أخضعه للاستجواب على مدى 38 يوماً، وقد أمضى هذه الأيام كلها، باستثناء ثلاثة منها، في العزل الانفرادي. أما والدته بدرية، البالغ عمرها 47 عاماً، فقالت إنها لا تملك أدنى فكرة عن سبب احتجاز ابنها المراهق. أضافت أنه لم يسمح له حتى تعيين محام.

 

وفي النهاية، وضع عبادة قيد الاعتقال الإداري، ما يعني أنه بقي محتجزاً من دون تهمة أو محاكمة، ومنع عليه الاطلاع على الأدلة الموجهة ضده – وكان الاحتمال كبيراً بأن يبقى معتقلاً لفترة غير محددة. وقد سبق لخبراء   الامم المتحدة أن نددوا بهذه الممارسة، باعتبارها مرادفة للاعتقال التعسفي.

وقد تم الإفراج عن عبادة خلال هذا الأسبوع، في سياق اتفاق تبادل أسرى هش بين حركة “حماس” وإسرائيل. وبعيد تحريره يوم الأحد، ومن منزله في بلدة سلواد في الضفة الغربية، أخبر عبادة مراسلة صحيفة “اندبندنت” بما حل به خلال المدة التي أمضاها في السجن.

وروى قائلاً، “ظلوا يسألونني إن كنت أحمل سلاحاً، مع أنني لم أقتني يوماً أي سلاح” ، قبل أن يضيف، “ظلوا يقولون لي: “أخبرنا بأمر ما”. وقد منعت من التواصل مع عائلتي. وكانت المرة الأولى التي أخضع فيها للاعتقال، بالتالي كنت مرعوباً. ولم يكن يسمح لي السؤال عن سبب اعتقالي، وعما يمكن أن أفعله”.

والحال أن هذا المراهق، الذي يقول إنه لا ينتمي إلى أي حزب سياسي، بقي محتجزاً في سجن عوفر طوال 17 شهراً، من دون تهمة أو محاكمة، ومن دون أن يعرف بطبيعة الجريمة المزعومة التي ارتكبها.

وهو كان بين عشرات الفلسطينيين، من نساء ومراهقين، ممن تم إطلاق سراحهم من السجون الإسرائيلية، ضمن اتفاق تبادل أسرى رعته قطر بين إسرائيل ومقاتلي “حماس” .

وبالمجموع، حررت [حماس] 86 أسيراً إسرائيلياً من رجال ونساء وأطفال اختطفهم المقاتلون في جنوب إسرائيل خلال هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ويوم الأربعاء الماضي، أفرجت [إسرائيل] أيضاً عن 180 فلسطينياً، من بينهم 12 ولداً و11 امرأة على الأقل، بعد أن كانوا معتقلين إدارياً.

وبالتالي، نجحت هدنة تبادل الأسرى في تسليط ضوء العالم على نظام السجون الإسرائيلية، وعلى مزاعم ممارسات التعذيب وسوء المعاملة (التي تنفيها إسرائيل)، وعلى ضلوع [السلطات الإسرائيلية] في سياسة الاعتقال الإداري.

أما المدة التي قد يمضيها شخص في الاعتقال الإداري، فغالباً ما تكون غير محددة. وفي هذا الصدد، تفيد منظمة “الضمير” المعنية بحقوق الفلسطينيين بأن فترة الاعتقال الإداري الأطول هي 8 سنوات.

وفي سياق متصل، تواصلت صحيفة “اندبندنت” مع “مصلحة السجون الإسرائيلية”، ووزارة العدل، وجهاز الأمن الإسرائيلي أو “شين بيت” ، والجيش الإسرائيلي، لكنها لا تزال تنتظر رداً من هذه الجهات.

وفي الماضي، اعتبرت إسرائيل أن الاعتقال الإداري أداة حيوية في متناولها لمكافحة الإرهاب. وأكدت أن هذا التدبير يمنح الحكومة الحق باحتجاز المشتبه فيهم من دون الإفصاح عن معلومات استخباراتية دقيقة.

بيد أن خبراء منظمة “الأمم المتحدة” يقولون إن الاعتقال الإداري يوازي الاعتقال التعسفي المحظور كلياً بموجب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وفي هذا الإطار، سجلت حالات عدة أضرب فيها أشخاص عن الطعام، معرضين بذلك حياتهم للخطر.

وكانت “الأمم المتحدة” قد أعلنت في تقرير أصدرته في عام 2021 وحثت فيه إسرائيل على وضع حد لسياسة الاعتقال الإداري: “يعتبر احتجاز الأطفال بطريقة تعسفية أمراً بغاية الفظاعة، ويشكل انتهاكاً فاحشاً لأبسط المعايير المنصوص عليها في اتفاقية حقوق الطفل” .

ومن جهته، كشف أحمد، الشقيق الأكبر لعبادة، لصحيفة “اندبندنت” أن العائلات الفلسطينية عاجزة كلياً عن التصرف.

وقال الشاب البالغ عمره 25 عاماً: “في أي بلد متحضر طبيعي، يكون الشخص بريئاً إلى أن تثبت تهمته”، قبل أن يضيف، “أما هنا، فتكون مذنباً إلى أن تثبت براءتك، ولكن حتى لو حصل ذلك، وإن كنت معتقلاً إدارياً، فلن تتمكن من إثبات براءتك، ولن تعرف حتى ما هو ذنبك”.

وفي الوقت الراهن، يسود الظن أن 2200 شخص معتقلون إدارياً، وهو أكبر رقم مسجل على الإطلاق، وفق ما كشفته منظمتا “الضمير” و”العفو العام”. واللافت أن عدد الأشخاص المعتقلين إدارياً قد ارتفع كثيراً منذ 7 أكتوبر الماضي.

استطراداً، أعلنت تالا ناصر، المتحدثة باسم منظمة “الضمير” عن إطلاق “حملة اعتقالات واسعة”، علماً بأن نسبة 80 في المئة من هؤلاء وضعوا قيد الاعتقال الإداري، ويخضعون لهذه الممارسة التي أقدمت عليها سلطة الانتداب البريطاني للمرة الأولى في ثلاثينيات القرن العشرين.

ويشمل المعتقلون إدارياً المذكورون عهد التميمي، وهي من كبار الناشطين الفلسطينيين ولها من العمر 22 عاماً، وقد تم توقيفها في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على أن يطلق سراحها في سياق اتفاق إطلاق الأسرى يوم الأربعاء.

وقد حذرت المتحدثة من أن أعداد المعتقلين إدارياً سيظل يرتفع مع تواصل الحرب على غزة. وقد أردفت قائلة، “ما من ضمانات تشير إلى أن الأشخاص الذين أطلق سراحهم لن يعتقلوا من جديد”.

ومن رام الله، قال مصطفى البرغوثي، وهو من كبار المشرعين الفلسطينيين ورئيس “المبادرة الوطنية الفلسطينية” إن الاعتقال الإداري تحول إلى “أداة انتقامية” مصممة لإثارة الخوف في نفوس الناس ولحضهم على عدم التعبير عن آرائهم علناً، حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأكد أن عدد الأشخاص المعتقلين منذ 7 أكتوبر يفوق عدد الذين تم إطلاقهم، مشيراً إلى أن ذلك “يسمح لإسرائيل باعتقال الناس بلا سبب، ليكون بالتالي أداة قمع وسيطرة”.

أما هبة مريف من “منظمة العفو الدولية”، فقالت إن الاعتقال الإداري هو أيضاً “من الوسائل الأساسية التي تستخدمها إسرائيل لإنفاذ سياسة الفصل العنصري [الأبارتايد] بحق الفلسطينيين”، علماً بأن إسرائيل قد رفضت قطعاً وبعنف هذا التوصيف.

ومن جهته، اعتبر جلعاد أردان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، أن مزاعم الفصل العنصري هي “حرب جهاد ضد النظام الديمقراطي الحي الوحيد في الشرق الأوسط”.

وفي سياق مواز، يشار إلى أن حنان البرغوثي، 59 عاماً (ولا تمت بصلة مباشرة بمصطفى البرغوثي)، كانت هي التالية معتقلة إدارياً منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وقد أطلق سراحها في اليوم الأول من الهدنة بين إسرائيل وحماس. وقد قالت هي التالية إن [الاعتقال الإداري] هو “عقاب جماعي” .

وأضافت أن مجموع 15 فرداً من عائلتها معتقلون إدارياً، وقد تم توقيفهم جميعاً بعد 7 أكتوبر.

وتنتمي البرغوثي إلى عائلة لها تاريخ مع السجون الإسرائيلية، باعتبار شقيقها نائل أقدم سجين سياسي لفلسطين (مع أن إسرائيل تنكر احتجازها سجناء سياسيين).

وقد تم احتجاز هذا الأخير وتحريره مراراً وتكراراً منذ اعتقاله للمرة الأولى قبل 44 عاماً، عقب مشاركته في هجمات طالت الجيش الإسرائيلي. وقد أعيد اعتقاله في عام 2014 بتهمة “انتسابه إلى حماس”، وفق ما أوردته وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وفي روايتها عما جرى لها، أخبرت البرغوثي أنه في سبتمبر الماضي، وتماماً كما حصل مع عبادة، اقتحم عناصر من قوى الأمن منزلها عند الساعة الثالثة فجراً، واعتقلوها بينما كانت نائمة إلى جانب زوجها.

وروت قائلة،” من المرعب أن تستيقظ على مشهد عشرات الجنود في بيتك، وأن ترى ضابط استخبارات يقف أمامك، وبخبرك بأنك موقوف” ، ثم تابعت قائلة، “آنذاك، كنت مريضة ومصابة بفيروس كورونا، وكنت قد حجزت لنفسي موعداً عند طبيب القلب، ومع ذلك، اعتقلوني”.

وكشفت عن أنها لم تخضع لأي استجواب فعلي: “سألوني هل أنت من عناصر “حماس”؟ قلت لا، ثم سألوني إن كان لدي محام، فأجبت بنعم. وقد أخبرني المحامي بأن قرار اعتقالي إدارياً كان محسوماً حتى قبل أن يوقفوني”.

وقالت البرغوثي، إن إطلاق سراحها منحها شعوراً بالفرح الممزوج “بكثير من الحزن”، كونها تركت خلف القضبان رفاقاً يزداد وضعهم سوءاً.

وفي سياق مواز، كشفت منظمة “العفو الدولية” أنها وثقت أدلة متزايدة على ممارسات تعذيب تشمل نزع ثياب المحتجزين وضربهم وإهانتهم، وهو أمر وثقته صحيفة “اندبندنت” هي التالية.

أما منظمة “الضمير”، فوثقت زيادة كبيرة في ممارسات الضرب “الوحشي”، والتهديدات بالقتل والاغتصاب، والاستعانة بكلاب الشرطة، وتدمير المنازل. وداخل السجون، قال المحتجزون الفلسطينيون إن ظروفهم تردت بشكل ملحوظ بعد 7 أكتوبر.

وأكدت البرغوثي، شأنها شأن عبادة، أن [الإسرائيليين] صادروا مقتنياتهم الشخصية، بما يشمل ثيابهم وحتى الأحذية التي نزعت عن أرجلهم. وقالا إن أي رابط بالعالم الخارجي كان مقطوعاً، بما يشمل الزيارات العائلية، وإنهم منع عليهما مشاهدة التلفزيون والاستماع إلى الراديو.

وكانت الأخبار الوحيدة عن تطورات الحرب تصل إليهم من السجناء المعتقلين حديثاً. وقالا إنه لم يسمح لهما بالخروج إلى ملعب الرياضة ورؤية الشمس.

استطراداً، كشف أفراد عائلة عبادة أن الجنود فتشوا منزلهم وبعثروا محتوياته بحثاً عن أسلحة مزعومة، وأن الشكوك لا تزال تراودهم عن سبب اعتقاله أصلاً. وأعربوا عن قلقهم من أن ينتهي المطاف بأفراد آخرين من العائلة خلف القضبان، لا سيما أن ابن شقيقة بدرية، أي ابن خالة عبادة، كان قد أوقف قبل أسبوع، وأنه هو أيضاً معتقل إدارياً.

وتابع عبادة: “بنظر الفلسطينيين، أصبح الاعتقال الإداري أمراً طبيعياً، ويتحول إلى نوع من العقاب الجماعي لنا كلنا” .

“كما وأنه يتحول إلى جزء من الحياة – وبمثابة سيف مسلط فوق رؤوسنا، كي لا نملك القوة الكافية لإلغاء أي أمر أو لإحداث تغيير. والمحامي، حتى هو، عاجز عن التصرف، بالتالي إلى من تشكو همك، متى كان القاضي هو الجلاد”؟

© The Independent