احتوت ردود الافعال الاولية على رسالة السيد عبد الله اوجلان على مفارقة مضحكة، انعكست في تطابق مواقف جوقة التفاهة القومية – التركية والعربية والكردية – تشكيكاً بها، أو تحويراً لها، فالعديد من الأبواق التركية، وخصوصاً المُسْتَتْركة منها لم تجد في الرسالة إلا استسلاماً، وراحت توزع ابتسامات النصر على الشاشات، وتزعم بأن الموقف حسم لصالحها في المبارزات الاعلامية، التي كانوا أحد أطرافها على مدى سنوات ..ينسى هؤلاء ان الرسالة – المبادرة هي بالاصل تجاوب مع اقتراح سابق لدولت بهجلي زعيم الحركة القومية الغني عن التعريف.
ولم يختلف الامر مع العديد من الكتبة القوميين والمتفسبكين العرب، وخصوصهم اولئك ( الثوار ) الذين يركبهم 100 عفريت وألف جنّي بمجرد أن يتحدثوا في شيء يخص الشعب الكردي.
اما الصوت الكردي في جوقة التفاهة فوجد في الرسالة تخلياً عن حقوق الشعب الكردي، وراحت تجتر سرديتها عن اوجلان، وتخليه عن النضال القومي …
تطابق مواقف جوقة التفاهة من محتوى الرسالة، يعكس جانباً من الكوميديا السوداء التي تُعرض على مسرح الفكر القومي في نموذجه الشعبوي، البدائي، الذي يجري الاشتغال عليه لتبقى دول وشعوب هذه المنطقة ساحة وادوات حرب دائمة..
افهموها من الآخر: العالم يتغير من حولكم، وليس ذنب أحد انكم صُمٌّ وعُميٌ لا ترون ولا تسمعون ماذا يجري، ولاتعرفون طريق الخروج من القوقعة، ونعرف سلفاً أن لا أحد يستطيع اقناعكم بالكف عن هذا اللغو القوموي حتى لو قام البارزاني، والنبي محمد، واتاتورك، وزكي الارسوزي من قبورهم خصوصاً اولئك الهامشيين الذين يحاولون بناء مجد شخصي من خلال الهوبرة القوموية.. ولكن اعلموا، حتى لو لم يكتب لهذه المبادرة النجاح فسيبقى الخيار الوحيد امام شعوب هذه المنطقة، هو التعاون والتفاعل والتكامل دون استقواء بأي كان، لا طاغية ومتجبر محلي ولا طاغوت دولي
اوربا التي يتغنى بعضكم بتجربتها تفاوضت وعضت على الجراح بعد حروب يشيب لهولها الرضيع، الأمة العربية الواحدة على طريقة بعضكم الاخر تبين انها لاتستطيع الحفاظ حتى على وحدة الدولة القطرية، الامة الاسلامية باتت شذر مذر، والامة الكردية لم تفلح حتى فرنسا وامريكا في تفاهم احزابها وهم من قومية واحدة ومن دين واحد وأمة واحدة.
للمرة الثانية، العالم يتغير: والاستقواء على الشعوب بالبسطار الأمني، اوالاستعلاء من القومية الأكبر، أوالطائفة الكبرى لم يعد له مكان في عالم اليوم، والاستقواء بشركات السلاح ودولها لنشر الديمقراطية وحقوق الانسان لم ينتج عنه الا المزيد من الفوضى، ولم يحل أية مشكلة حلا حقيقياً، اللحظة التاريخية هي فرصة قد لاتعوّض إلا بعد عقود، ينبغي فهمها والتقاطها على نحو صحيح لمن يريد لشعوب هذه المنطقة ان تدخل التاريخ الحقيقي.
لا منتصر او مهزوم لوحده في مبادرة السيد اوجلان، إما ان ينتصر الكل أو يخرج الكل من التاريخ..