يتجه الاهتمام نحو الجنوب السوري، حيث تنشط إسرائيل لتغيير وجه المنطقة وواقعها السياسي والأمني. وبعد التقدّم نحو جبل الشيخ والادّعاء بتقديم الحماية للطائفة الدرزية، نفّذت إسرائيل أعمق توغّل لها فوصلت إلى قمّة تل المال في درعا بعمق 13 كيلومتراً، وعملت على تدمير بنى تحتية عسكرية كانت تستخدمها الجماعات الإيرانية و”حزب الله”، وفق وسائل إعلام عبرية.
هذه الحركة تشي بأن إسرائيل تسعى لإرساء تغييرات من شأنها تشكيل منطقة جغرافية شبه عازلة تفصل بينها والإدارة السورية الجديدة والفصائل المسلّحة، وتدمير كل إمكانات عسكرية تسلّحية وبنى تحتية في هذه المنطقة، لضمان أمنها وإبعاد التنظيمات التي قد تشكّل خطراً عليها، تفادياً لسيناريوات مشابهة لـ7 أكتوبر من جهة، وتحضيراً لواقع سياسي جديد في الإقليم قائم على التقسيم.
بالعودة إلى التوغّل الإسرائيلي في تل المال، يتحدّث مدير شبكة “درعا 24″، الذي يفضّل عدم ذكر اسمه، عن الواقعة، فيقول إن “القوّة الإسرائيلية وصلت إلى محيط تل المال والسرية العسكرية السابقة في ريف درعا الشمالي، وقامت بعمليات تدمير للبنى التحتية وتفتيش عن بقايا أسلحة”، لافتاً إلى احتمال وجود معدات رصد واستطلاع كون هذه المواقع كانت مخصّصة لهذه المهام.
هذا الاقتحام يندرج ضمن سلسلة توغلات نفّذتها القوات الإسرائيلية في الجنوب السوري. وفي هذا السياق، يشير مدير الشبكة إلى دخول الجيش الإسرائيلي إلى بلدة مسحرة وريف القنيطرة الأوسط، والتوغّل في قرية عابدين بحوض اليرموك – ريف درعا الغربي، حيث تمركزت لساعات، ثم انتقلت إلى ثكنة الجزيرة العسكرية القريبة من قرية معرية.
اقتحام هذه المواقع العسكرية يشي بوجود أسلحة تريد إسرائيل إتلافها لمنع وقوعها في متناول الفصائل أو الإدارة السورية الجديدة، حتى لا تشكّل لها أي تهديد مستقبلي، ووفق مدير “درعا 24″، فإن هذه المناطق التي دخلتها إسرائيل وتقع على حافة الجولان، “شهدت وجوداً عسكرياً متعدداً نتيجة الصراع السوري وتدخلات الدول الإقليمية”، وهي جماعات إيرانية و”حزب الله”.
هذه الاقتحامات قد تكون مقدّمة لتوغّلات أخرى في الجنوب السوري، وعمليات في مختلف المناطق حتى تلك البعيدة عن الحدود الفاصلة بين سوريا وإسرائيل، وخصوصاً أن الأخيرة نفّذت في السنوات الماضية عمليات قصف وإنزال قبل سقوط نظام بشّار الأسد، وذلك بهدف تحييد أي خطر عسكري عليها قد يتخذ من سوريا منطلقاً لها.
تدمير البنى التحتية العسكرية في الجنوب السوري ومنع الفصائل من امتلاك أسلحة نوعية وأنظمة رصد يتكامل مع مشروع التقسيم الذي تسعى إليه إسرائيل وتموّله، وفي هذا السياق، توافرت معلومات لصحيفة “وول ستريت جورنال” عن تخصيص مليار دولار لمساعدة الدروز شمال إسرائيل، مع العلم أن نسبةً كبيرة من الأموال المخصّصة لهؤلاء الدروز من إسرائيل تُرسل من خلالهم إلى دروز سوريا.
الهدف يكمن في إنشاء مناطق منزوعة السلاح و”مدجّنة” سياسياً وأمنياً، تكون عبارة عن مساحات جغرافية تفصل إسرائيل عن كل محيط قد يشكّل خطراً عليها، وتكون الجماعات التي تسكن بها بشكل غير مباشر “حرس حدود” لإسرائيل، تمتنع عن مهاجمتها كونها تحت حمايتها وتمويلها، وتمنع أي طرف عسكري من الاقتراب من الحدود وتهديد أمن إسرائيل.
في المحصّلة، فإن الأنظار ستتجه في المرحلة المقبلة إلى التحرّكات الإسرائيلية السياسية والعسكرية والأمنية في الجنوب السوري، ومحاولات الإدارة العبرية تنفيذ مشاريع استراتيجية تقسيمية مرتبطة بالأمن القومي لتل أبيب، لكن العين أيضاً على مقاربة الإدارة السورية الجديدة وسكّان الجنوب السوري لهذه التحرّكات، لمعرفة رسم معالم اليوم التالي.