في جديد التطورات التي سيكون لها أثرها على تبديل الخرائط وتغيير موازين القوى في المنطقة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مشروع بناء جدار يفصل بين الأردن والضفة الغربية وإسرائيل.
تواصل إسرائيل اتخاذ الإجراءات التكتيكية التي تخدم مشاريعها الاستراتيجية والبعيدة الأمد، وإن كان من غير الممكن القول إن “آخر” قرار اتخذته في هذا السياق كان العزم على تشييد جدار فاصل بين إسرائيل والضفة الغربية من جهة، والأردن من جهة أخرى، لأن الإدارة الإسرائيلية قد تتخذ إجراءات جديدة في الوقت الفاصل بين كتابة المقال ونشره نسبة لتسارع الأحداث، إلّا أنّ القرار قد يكون أبرز الخطوات.
ففي جديد التطورات التي سيكون لها أثرها على تبديل الخرائط وتغيير موازين القوى في المنطقة، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس مشروع بناء جدار يفصل بين الأردن والضفة الغربية وإسرائيل، بكلفة مليار و500 مليون دولار، وسيمتد لمسافة 425 كلم، تحت عنوان وقف تهريب السلاح عبر الأردن إلى الفصائل المسلّحة في الضفة، وعلى رأسها حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي”.
الأمين العام للحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي رمزي عودة يتحدّث عن المشروع العبري الجديد وينطلق من ذريعته، فيقول إن الهدف “المعلن” يكمن في منع تهريب الأسلحة، لكن برأيه، فإنّه رواية “مفبركة” من قبل الإدارة الإسرائيلية، لأنه “لا تهريب حقيقياً وبكميات كبيرة، فالحدود مع الأردن مسيطر عليها، بل عمليات متواضعة”.
وبالتالي، وجب الالتفات إلى الأسباب السياسية والاستراتيجية لهذا المشروع ذي الكلفة العالية، وهي بمجملها تتمحور حول ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل وعزلها عن محيطها، وفي هذا السياق، يقول عودة لـ”النهار” إن إسرائيل تريد “إيجاد حدود طبيعية بينها وبين الأردن، وضم الضفة الغربية وعزلها بشكل شبه تام، لكونها محاطة بجدار الفصل العنصري بحدودها مع إسرائيل”.
بناء هذا الجدار ستكون له تداعيات جانبية ترغب إسرائيل في تحقيقها أيضاً، هي تهجير عدد كبير من الفلسطينيين، وينطلق عودة من مصادرة إسرائيل مئات آلاف الدونمات لبناء هذا الجدار الطويل جداً، وعزمها على تشييد المستوطنات في محيطه، للإشارة إلى أن عشرات أو مئات آلاف الفلسطينيين سيتعرّضون للتهجير القسري.
وفي تجربة مشابهة، حينما قرّرت إسرائيل تشييد جدار بين أراضي الداخل والضفة الغربية، تضررت 8 محافظات، وهدم ما يقارب 280 إلى 300 مبنى كان قائماً على مسار الجدار الذي عزل قرابة 49 ألف فلسطيني في منطقة التماس، وأجبرت الممارسات الإسرائيلية التضييقية 38 ألف فلسطيني تقريباً على ترك أراضيهم، وتسبّبت بفساد المحصول وإقفال المنشآت الاقتصادية وزيادة أعباء النقل على الفلسطينيين.
بالعودة إلى الجدار الجديد، فإن نتنياهو أشار في وقت سابق إلى دوافع سيادية تقف خلف المشروع، فقال “لدينا حدود لم يجرِ التعامل معها بعد من حيث الجدار، وهي الحدود الشرقية، وسيتعين علينا إغلاقها أيضاً. إن لم نغلقها، فلن تكون هناك دولة يهودية”، وفي هذا التصريح إشارتان، الأولى الرغبة في الجدار والحدود، والأخرى في إنشاء الدولة.
عملية بناء الجدار ستكون خطوة إضافية في مشوار ضم الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، وهو مشروع إسرائيلي بدأ ومن المرجّح أن تُتخذ خطوات جذرية بشأنه عام 2025، وفق ما أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بدفع أميركي من الإدارة الجديدة ورئيسها دونالد ترامب، الذي سبق أن اعترف بإسرائيلية القدس والجولان.
عودة يؤكّد أن “بناء الجدار يشكّل خطوة بهذا الاتجاه”، لكون الضفة الغربية ستصبح محاصرة من كافة الجهات، ما سيُسّهل على إسرائيل فرض شروطها وقوانينها، مع الإشارة إلى الخطوات الأخرى التي تتخذها إسرائيل في هذا السياق، على رأسها اقتحام المخيّمات والمناطق، وبناء المستوطنات وتشجيع السكن فيها، وهي إجراءات تمهيدية لتغيير الواقع في الضفة.
الخطوة الإسرائيلية ببناء الجدار غير قانونية، لأنها تحتاج إلى موافقة من السلطة الفلسطينية والأردن، الطرفين الرافضين لهذا المشروع، لكن بتقدير عودة فإن “عملية البناء ستستمر، لأن إسرائيل لا تعطي اهتماماً لقرارات الدول ولا حتى لقرارات الأمم المتحدة أو مجلس الأمن أو المحاكم الدولية، ولا تلتزم بها، ما يرجّح استمرار المشروع”.
في المحصلة، فإن مشروع بناء الجدار الفاصل بين الضفة الغربية والأردن خطوة استراتيجية تغيّر شكل الخرائط وتبدّل المشهدية السياسية والأمنية، ولن تكون محصورة بمنع عمليات تهريب السلاح، بل بضم الضفة الغربية وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، ومن المرتقب أن تستتبع بخطوات إضافية تعزّز من هذا الواقع.