هل يستطيع الرئيس الموقّت لسوريا أحمد الشرع جمع شمل سوريا أو توحيدها؟ هذا سؤالٌ يطرحه على أنفسهم السوريون على اختلاف طوائفهم والمذاهب وحتى الأديان منذ نجاحه في القضاء على نظام الأسد الفئوي في نظره ونظر كثيرين داخل بلاده وفي العالم العربي، ومباشرته العمل لإقامة نظام جديد يأخذ في الاعتبار تاريخ بلاده وديموغرافيتها المتنوّعة. السؤال نفسه عاد السوريون إلى طرحه بإلحاح شديد ولا سيما بعد أحداث الأسبوع الماضي التي تمثّلت في قيام مجموعات مسلحة علوية بالاعتداء على قوات “هيئة تحرير الشام” الحاكمة حتى الآن في الساحل السوري وردّه عليها بقمع شديد حفاظاً على حكمه الطري العود، وإفساحاً في المجال أمام إنجاح تجربته الحالية. وهي تركّز على توحيد البلاد ولكن وفق نظام سياسي جديد يأخذ في الاعتبار معطيات متنوّعة داخل بلاده وفي المنطقة.
هذه التطورات جعلت السؤال المطروح أعلاه أكثر إلحاحاً. لكن هل عليه أجوبة محدّدة في الأوساط الدولية ولا سيما الغربية منها فضلاً عن الإقليمية؟ يجيب باحث أميركي جدي في مركز أبحاث مهم مركزه واشنطن بالقول: حتى لو وضعنا جانباً المصالح المتضاربة التي غالباً ما تشدّد عليها القوى الإقليمية والدولية فإن المشهد الداخلي في سوريا وحده يجعل هذا السؤال شديد التعقيد، إذ صارت سوريا ممزقة بعد حرب أهلية مدمرة استمرت 14 عاماً وصارت الولاءات القبلية والطائفية المصدر الرئيسي للشرعية المحلية، إذ يمثّل أحمد الشرع و”هيئة تحرير الشام” التي يتزعم العرب السنّة وهم ثلثا السكان في البلاد. لكنه لا يزال يعارض إقامة نظام فيديرالي ويطمح إلى إنشاء نظام سياسي مركزي يستمد قوته من الدعم الشعبي. لكن رغم ذلك قد يكون النهج الفيديرالي أكثر فاعلية وربما لا غنى عنه لتعزيز المصالحة الوطنية وإعادة بناء الدولة والبلاد. الخرائط الحالية لسوريا تشير إلى سيطرة حكومة الشرع على مناطق محدّدة نسبياً في سوريا أي معظم المدن الغربية وأجزاء من الريف. أما في وادي الفرات فلا تأكيد لولاء العشائر السنية لـ”هيئة تحرير الشام”، بينما تعارض القوات التي يسيطر عليها المتمرّد السابق أحمد العودة في درعا، وفصائل جنوبية أخرى الاندماج في الجيش السوري الجديد. أما في الشمال الشرقي فتخوض قوات سوريا الديموقراطية بقيادة الأكراد مناقشات مع الشرع. لكنها لا تزال متحفظة تجاه نواياه. أما في أماكن أخرى في الشمال فتحتفظ الميليشيات الموالية لتركيا (الجيش الوطني السوري) بقبضتها على معاقلها الرئيسية في عفرين وجرابلس ومنطقة منفصلة بين تل أبيض ورأس العين. وقد أرغمت تركيا رئيس المجموعة سيف أبو بكر على السفر إلى دمشق وتهنئة الرئيس الشرع شخصياً. وفعل ذلك لكنه كان التنازل الوحيد حتى الآن. وبين الزعيمين تاريخ طويل من العداء المتبادل وخصوصاً أن كثيرين من مقاتلي الجيش الوطني السوري هم من قدامى المحاربين في “هيئة تحرير الشام” وزعيمها الشرع أو الجولاني سابقاً، من أجل السيطرة على إدلب. يُلقي ذلك كله ظلالاً من الشك على قدرة الشرع على إدماج جميع الفصائل والمجموعات العرقية بسلاسة في سوريا الجديدة. فالعرب منهم ميّالون إلى التقارب مع دمشق. لكن يبدو أن الأكراد حريصون على “الحكم الذاتي” الذي يمارسونه الآن. أما الدروز فبسطوا سيطرتهم على محافظة السويداء ويمنعون قوات “هيئة تحرير الشام” من دخولها. الأمر نفسه حصل أو يحصل في مناطق يقطنها الدروز في ضواحي دمشق مثل جرمانا وصحنايا وجديدة عرطوز. أما المنطقة العلوية الساحلية فقد حظيت بزيارة الشرع لمدينتي اللاذقية وطرطوس في 16 شباط الماضي. وقوبل باحتفالات اقتصرت على المجتمعات العربية السنية المحلية. أما العلويون فلم يشاركوا فيها وآثروا الانعزال في أحيائهم وقراهم. كما أنشأ مسؤولو النظام السابق ميليشيات جديدة لإعادة إحياء الدور التاريخي في المنطقة بوصفها ملاذاً جبلياً محصناً للعلويين.
باختصار، يقول الباحث الأميركي المهم نفسه، يتعارض المشروع السياسي القائم على مركزية السلطة مع الواقع الحالي على الأرض، إذ يعتبر الفيديرالية قد تؤدي الى تفكيك الأمة. وهو تصوّر نابع جزئياً من مشاعر عربية معادية لإسرائيل، ومصدرها اعتقادهم أن الولايات المتحدة فرضت الفيديرالية على العراق بعد إسقاط صدام حسين لإضعاف مواجهته لإسرائيل، وهي ربما تكرّر ذلك في سوريا.
ما الهدف الأساسي للشرع؟ هو توحيد مختلف الجماعات العربية السنية ضمن جيش وطني جديد بعد حلّ السابق. لكن في اجتماع الثوار في 29 كانون الثاني الماضي في دمشق احتفالاً بالثورة بدا أنه لم يحظَ إلا بدعم ائتلافه الأصلي. وهدفه التالي ترسيخ سلطته على المنظومة البيروقراطية في دمشق والمناطق المحيطة بها، محاكياً النهج المركزي الصارم الذي اعتمده سابقاً في إدلب. إلى ذلك أطلق الشرع حواراً وطنياً. إلا أن المحادثات الافتتاحية داخله أثارت تساؤلات حول شرعيتها بسبب تنظيمها المتسرّع واختتامها على عجل. هل يؤدّي ذلك إلى الفيديرالية؟
العلامات الدالة