سجّل الساحل السوري المشهدية الأعنف في كتاب تاريخ سوريا الحديث، منذ سقوط نظام بشّار الأسد، إذ عادت الاشتباكات المسلّحة بين السوريين والتي أنذرت بحرب أهلية مذهبية، بعدما أخذت الصورة طابعاً طائفياً سنياً – علوياً. وإذ تعدّدت الأسئلة عمّا إن كان مشهد الساحل سيتكرر في مناطق أخرى، فإن سؤالاً برز بشأن الخلفيات المجتمعية للتصعيد الذي حصل، والتي تندرج ضمن مجموعة خلفيات دينية وسياسية
في قراءة عميقة للأسباب المجتمعية، فإنها تتنوّع بين الدينية والسياسية والعسكرية، فالاختلاف العقائدي والاتجاه المتشدّد لبعض المجموعات المنضوية تحت مظلة الإدارة الجديدة كان عاملاً دافعاً، بالإضافة إلى الهوية السياسية للعلويين لأنهم كانوا العمود الفقري للنظام السوري السابق، وامتلاك فلول هذا النظام السلاح ومحاولات التمرّد وإرساء واقع عسكري وأمني جديد في الساحل السوري.
منظور سياسي ثأري
من منظور سياسي، ثمّة صورة نمطية في الوجدان السوري تقوم على أن العلويين كانوا يحكمون سوريا، نسبةً إلى أن رئيس النظام كان علوي المذهب، لكن الأستاذ الجامعي وعضو الهيئة التأسيسية لحزب “الجمهورية” السوري محمد الأحمد لديه رؤية أخرى، إذ يقول لـ”النهار” إن هذا التعريف “سطحي”، لأن النظام السابق كان يقوم على “حكم الأوليغارشيا” التي ضمّت رأسماليين وتجّاراً من طوائف أخرى.
لكن السوريين يربطون بين الانتهاكات التي تعرّضوا لها وشريحة واسعة من العلويين، ولهذا السبب كانت الهجمات على طرطوس واللاذقية تحمل نزعة ثأرية، وبحسب الأحمد، فإن النظام السابق كان يعتمد على العنصر العلوي في الأجهزة الاستخباراتية، ومعظم عناصر هذه الأفرع كانوا علويين، ويربطها بتجارب تاريخية اعتمد فيها الحكّام على مجموعة معيّنة يضمن ولاءها.
فروقات اجتماعية
النزعة الثأرية أيضاً مرتبطة بالفروقات الاجتماعية بين العلويين والسنّة، فالعلويون كانوا يتبوّؤون المواقع الحكومية والإدارية العامة، وانخرطوا في عالم الاقتصاد والزراعة والصناعة، وإمكانياتهم المادية كانت تخوّلهم تحصيل العلوم، وفق ما يشير الأحمد، وهي ميزات يعتقد أن قيادة النظام السوري السابق كانت تمنحها لهذا المكوّن لكونها تنحدر منه، وانطلاقاً من أنّها أقلية حاكمة.
دعم دولي غائب
واقع العلويين تبدّل بعد سقوط نظام بشّار الأسد على نحو دراماتيكي وسريع،.وفي هذا السياق، يكشف الأحمد أن عدداً كبيراً من الموظفين العلويين “تعرّض للصرف، ما أدّى إلى تراجع واقعهم الاقتصادي، وليس لديهم مغتربون من أجل مساعدتهم”. والصورة النمطية بشأن السياسة “تزيد من الخطر الذي يواجهونه”، ولا جهة دولية داعمة لهم كما كانت روسيا وإيران، خصوصاً أن التحرّك الدولي اقتصر على الإدانة والدعوة لعقد جلسة لمجلس الأمن.
انطلاقاً من هذا الواقع، فإن العلويين يطالبون بمظلة دولية، وفي هذا السياق، يشدّد الأحمد على أهمّية “إرسال لجنة تحقيق ومراقبة دولية تقيم في سوريا لمدّة 6 أشهر قابلة للتمديد، تضمن حماية الأقليات”، إلى أن ترسي الدولة قوامها وفق معايير دستورية وديموقراطية.
في المحصلة، فإن أحداث الساحل تدق ناقوس الخطر، وإن كان العامل الثأري هو أحد العوامل الدافعة، لأن نسبة كبيرة من مواطني الطائفة العلوية كانت من عماد هذا النظام وأجهزته، إلّا أن ناشطين ناهضوا نظام الأسد يؤكدون وجوب ألا تكرر السلطات السورية الجديدة ممارساته، حتى لا تواجه البلاد مصيراً دموياً أسود.