مع بداية الأحداث الأمنية المتفرقة بداية السبعينيات نتيجة تنازل “سلطة مصالح الامتيازات” عن السيادة في اتفاقية القاهرة لصالح الفصائل المسلحة الفلسطينيّة، تكلم أحد العمال السوريين همساً أمام رب عمله عن أسباب تركه وكل أقاربه المفاجئ عملهم في لبنان وقرارهم غير المتوقع بالعودة الى القرداحة
الدكتور سمير حسن عاكوم
مع بداية الأحداث الأمنية المتفرقة بداية السبعينيات نتيجة تنازل “سلطة مصالح الامتيازات” عن السيادة في اتفاقية القاهرة لصالح الفصائل المسلحة الفلسطينيّة، تكلم أحد العمال السوريين همساً أمام رب عمله عن أسباب تركه وكل أقاربه المفاجئ عملهم في لبنان وقرارهم غير المتوقع بالعودة الى القرداحة ويقول “إن هناك تحضيراً لتغيير كبير في النظام السوري وإن كل “العلويين” مطلوبون للعودة الفوريّة لأن هناك تحضيراً لنظام جديد سيحكم من خلالهم الرئيس حافظ الأسد سوريا”. لم يفهم حينها المهندس الشاب المندفع بالمحبة والانفتاح والطموح معنى “العلوية وحكم سوريا” وهو من تربى على الطيبة والعفوية والتفاني في العمل البعيد عن ألاعيب السياسة…
مع الوقت، بدأت تتوضح شيئاً فشيئاً معالم بناء نظام سادي استبدادي استغل “أقلية طائفية” بعد عزلها عن مجتمعها واعطاها امتيازات الفتك بالأكثرية ليستبد بحكمه الديكتاتوري الوراثي “إلى الأبد” بعنوان الأسد أو نحرق البلد….
من جهة أخرى أخبرني أحد العمال أن التشوهات في هيكله العظمي سببها التعذيب، وما أنجاه من مذبحة النظام في حماه بداية الثمانينيات هو “أُميّتَه” لأنه ممنوع أن يبقى متعلماً أو مثقفاً على قيد الحياة، وتقاطع صحة كلامه مع ما قاله الكثيرون بمن فيهم أحد المفكرين بأن “مجزرة حماه قضت على نخبة فكرية” تحتاج سوريا لمئات السنوات للوصول الى إنتاج مثيل لها…
ببساطة هذا القليل من خلفية ما يحدث في سوريا اليوم من خلال نظام حول سوريا من فسيفساء حب التنوع على مستوى العائلة الواحدة التي كانت تحترم وجود التنوع الناصري والبعثي والإخواني والقومي… فيها وفي محيطها، سوريا المؤمنة بختلف مكوناتها، تتقبل وبحماسة فارس الخوري المسيحي اللبناني لرئاسة الحكومة وحتى وزير الأوقاف فيها، إلى سوريا أسد البطش وحكم سادية طائفة اقتيدت قهراً لتلعب دور سيادة اضطهاد باقى المكونات وعلى رأسهم الطائقة السنيّة.
استغرقت عمليّة زرع بذور شر نظام الأسد أكثر من عشر سنوات لتتحول الى شجرة لعينة تُستعمل ببراعة لاقتلاع ثروة أشجار غنى التنوع الشامي المؤمن بقرار “ممنوع الإبقاء على أي مفكر أو متعلم مستنير” والانتقال إلى حظيرة سوريا الأسد التي ترفع نفاقاً شعارات العداء لإسرائيل في حين أنها أعطت أسم “فلسطين” لأسوأ فرع مسلخ بشري عبر التاريخ!!!
بذور الخير غنى التنوع الحضاري راسخة في أرضها المباركة، تحتاج الى رعاية وتوجيه من أجل الوصول الى شجيرات خير مؤسسات دولة دستوريّة على قياس شعبها العظيم الذي عانى ما عاناه، ويجب تحييد شجرات الشر المجرمة وعزلها لا تبني أخلاقيّة عملها، واستبدالها سريعاً بسنابل الخير وأشجار بذور مباركة تعيد مكانة “المدنيّة المنورة” التي أرسى قواعدها يوماً ما من أسمته باسمها “إمام الشام” أي الإمام الإوزاعي الذي ساهم باستعادة كيانيتها مع ما يعنيه من تسامح العيش المشترك والمحبة بعد تجاوز مخاض مرحلة تاريخيّة مشابهة لما يحصل حالياً.
علينا أن نعي كلبنانيين خطورة وخلفيّة ما يحدث وأن لا ننجر الى عصبيات واقع أشجار بذور شر النظام البائد في كل مناطق سوريا، نحافظ على رسالتنا المتنوعة ونصرة أخواننا بالكلمة في ضعفهم وفي ردعهم عن ظلمهم إلى حين تجذر بذور الخير من جديد.
حتماً ستعود “سوريا شام التنوع” وسيحرر من تم تسخيرهم واستعبادهم لبناء مسخ “سوريا الأسد” وعلى كل اللبنانيين أن يكونوا بمستوى الإمام الأوزاعي وفارس الخوري وشكيب أرسلان وغيرهم الكثير ممن لعب دور رعاية بذور الخير لاستعادة شجرة سوريا الشام المباركة التي نحتاجها جميعاً.
العلامات الدالة