تمكن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي صاحب الفترة الأطول في المنصب، من النجاة من كثير من الخلافات، بينها اتهامات بالفساد، بجانب مزاعم أثيرت هذا العام حول أن الإصلاح المثير للجدل للسلطة القضائية بالبلاد كان بمثابة استيلاء على السلطة.
ومع ذلك، يقف نتنياهو اليوم بمواجهة أكبر أزمة في حياته السياسية، مع تزايد ردود الفعل العنيفة باطراد تجاه فشل حكومته في منع الهجوم الذي قادته جماعة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، والذي أسفر عن مقتل ألف و200 شخص، واحتجاز أكثر من 240 آخرين رهائن. بجانب ذلك، تتفاقم الانتقادات الموجهة إلى طريقة إدارته للحرب في قطاع غزة.
ويتفق أشخاص داخل حكومة نتنياهو، وكذلك أولئك الذين يأملون في استبداله على أن مستوى القبول الشعبي لتأييده لم تكن قط متدنية إلى هذا الحد بين أفراد الرأي العام الإسرائيلي.
ومع ذلك – نظراً لتعقيدات النظام البرلماني الإسرائيلي وتقلبات الحرب – لا توجد سوى مسارات قليلة لإسقاط نتنياهو قريباً من منصبه. ويرى محللون أن آفاقه السياسية وإرثه على المدى الطويل يعتمدان إلى حد كبير على كيفية إدارته الأمور خلال الأيام المقبلة.
وخلال الأيام والأسابيع الأخيرة، تحولت الوقفات الاحتجاجية لتأبين الإسرائيليين القتلى إلى احتجاجات ضد نتنياهو. وتحولت الدعوات التي تطالبه بتحمل المسؤولية عن الإخفاقات الاستخباراتية التي سبقت هجوم «حماس» إلى حملة تطالب باستقالته.
من جهته، هدد عضو اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم، إيتمار بن غفير، بإسقاط الحكومة. وتحدث أعضاء في حزب «الليكود» الذي يتزعمه نتنياهو عن الانشقاق عن صفوف الحزب، تبعاً لما ذكره اثنان من كبار أعضاء الحزب.
وشرعت الولايات المتحدة، الحليف الأقرب والأهم لإسرائيل، في الضغط على رئيس الوزراء من أجل الحد من عدد القتلى المدنيين في غزة.
ومع دخول الحرب مرحلة جديدة، الجمعة، بعد انهيار الهدنة التي استمرت سبعة أيام، وبدء حملة قصف جوي إسرائيلية متجددة، يبحث نتنياهو عن حل – بما في ذلك احتمال اغتيال زعيم «حماس» الأول في غزة – يمكن أن يرضي الائتلاف الحاكم الذي يقوده، ويسكت منتقديه، ويرضي السكان الذين يضغطون عليه بشدة من أجل إعادة الرهائن الباقين من غزة، ويلحق الهزيمة بـ«حماس».
الملاحظ أن ثمة دعماً قوياً للحرب من مختلف الأطياف السياسية، وقد انضم أحد أحزاب المعارضة إلى ائتلاف نتنياهو لتشكيل حكومة وحدة طارئة وحكومة حرب. وقد احتفل الجمهور الإسرائيلي على نطاق واسع بهذه الخطوة، باعتبارها علامة على أن السياسيين يعملون على تقليص حجم الروتين لإدارة المجهود الحربي.
ومع ذلك، لا يزال يتعين على نتنياهو إدارة الخلافات على مستوى القيادة بشأن المحادثات لإطلاق سراح الرهائن والمساعدات الإنسانية وإدارة الحرب. على سبيل المثال، هدد بن غفير، خلال وقف إطلاق النار بإسقاط الحكومة إذا لم تستأنف الحرب.
وفي تصريحات للصحافيين، الجمعة، قال نتنياهو إنه ملتزم بـ«تدمير حماس». وبعيداً عن الصعيد المعلن، أخبر نتنياهو مساعديه أنه يدفع الجيش نحو اغتيال قائد «حماس» داخل غزة، يحيى السنوار، طبقاً لما ذكره مسؤول إسرائيلي حالي ومسؤول آخر سابق تحدثا مع رئيس الوزراء خلال الأيام الأخيرة.
وأضاف المسؤولان أن نتنياهو يعتقد أن اغتيال السنوار، العقل المدبر المفترض لهجمات السابع من أكتوبر، سيكون كافياً لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بأنه جرى إحراز نصر كبير ضد «حماس»، وأن الحرب يمكن أن تضع أوزارها.
وأفاد محللون سياسيون إسرائيليون بأن مقتل السنوار يمكن أن يوقف موجة الغضب الشعبي الموجه ضد نتنياهو، لكنه لن يتمكن من تحويلها إلى موجة تأييد.
في هذا الصدد، قال أنشيل فيفر، كاتب عمود بصحيفة «هآرتس»، ومؤلف كتاب «بيبي: الحياة المضطربة وأوقات بنيامين نتنياهو»: «إذا نجح الجيش الإسرائيلي في اغتيال شخصية بارزة في (حماس)، فأتوقع أن يسعى نتنياهو إلى ادعاء الفضل وراء ذلك لنفسه».
وأضاف فيفر أنه رغم الفضائح الكثيرة الماضية التي هزت سمعة نتنياهو، فإنه لطالما تمكن من إنقاذ مسيرته السياسية.
وفي استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية، «كان» في السابع من سبتمبر (أيلول)، عبر 75 في المائة من المشاركين عن اعتقادهم بأن حكومة نتنياهو «لا تعمل بشكل جيد».
وخلال الأسابيع التي تلت بداية الحرب، تراجعت نسبة تأييد نتنياهو بشكل مطرد. وفي استطلاع للرأي نشرته صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، الجمعة، قال 30 في المائة من المشاركين إن نتنياهو الأفضل لتولي منصب رئيس الوزراء، بينما فضل 49 في المائة أقرب منافسيه السياسيين، بيني غانتس، وزير الدفاع السابق.
جدير بالذكر أنه داخل إسرائيل، سيجري تشكيل الحكومات من خلال نظام متعدد الأحزاب، يستطيع الحزب على أساسه الحصول على أغلبية لا تقل عن 61 مقعداً داخل البرلمان المؤلف من 120 مقعداً.
ويشغل ائتلاف نتنياهو حاليا 74 مقعداً. ويتطلب إسقاط نتنياهو انسحاب ما لا يقل عن 13 عضواً برلمانياً من ائتلافه، أو إجراء تصويت لسحب الثقة داخل المجلس التشريعي، مع اختيار مرشح آخر ليحل محل نتنياهو.
في هذا الصدد، قال أفيف بوشينسكي، المستشار السياسي السابق لنتنياهو، إن أياً من السيناريوهين غير محتمل.
وأضاف «تقريباً كل من تتحدث إليه اليوم سيقول لك الشيء نفسه: نتنياهو يجب أن يتنحى عن منصبه، ولا يمكنه الاستمرار في قيادة البلاد. ومع ذلك، في الوقت نفسه، هناك سيناريو حقيقي للغاية يبقى فيه رئيس الوزراء بمنصبه رغم افتقاره إلى الشعبية، بسبب صعوبة استبداله أو إقالته».
وأوضح بوشينسكي أن بعض أعضاء «الليكود» الذي يتزعمه نتنياهو تحدثوا عن الانشقاق من أجل تشكيل حزبهم الخاص، لكن من غير المحتمل أن يفعلوا ذلك في خضم الحرب.
وأضاف أن المشاعر السياسية الإسرائيلية تحولت باتجاه اليمين منذ السابع من أكتوبر، متوقعاً أن أي انتخابات مستقبلية لا يمكن الفوز بها إلا من قبل مرشح يميني يجري النظر إليه باعتباره قائداً عسكرياً قوياً.
واتفق كثير من الإسرائيليين الذين احتشدوا بعد ظهر الجمعة في ما يسمى ساحة الرهائن في تل أبيب مع ما قاله بوشينسكي. وقد تحولت المنطقة الكبيرة خارج متحف تل أبيب للفنون إلى موقع للاحتجاج والحداد والاحتفال لعائلات أولئك الذين تعرضوا للاختطاف من إسرائيل والنقل إلى غزة في 7 أكتوبر.
من جهتها، جاءت موران غال، الخميس ،24 عاما، وصديقها إلى الساحة للاحتفال بعودة ثمانية رهائن إسرائيليين والاحتفال بهم. وقالت غال، الطالبة، مستخدمة اسم التدليل لنتنياهو: «هذا كله خطأ بيبي. كيف لم يعتذر؟ لماذا لم يعترف بأنه خذلنا؟».
وفي القدس، حيث تنطلق احتجاجات شبه يومية أمام البرلمان للمطالبة باستقالة نتنياهو، تجمع المئات ليلة الخميس للاستماع إلى عيران ليتمان، الذي سقطت ابنته قتيلة في السابع من أكتوبر.
واتهم ليتمان رئيس الوزراء الإسرائيلي بالفشل في حماية ابنته والعودة إلى الحرب في غزة بدلا من إنقاذ حياة رهائن إسرائيليين إضافيين.
وقال ليتمان عن رئيس الوزراء: «إنه يفكر في نفسه فحسب، وليس في بلاده». وظل حشد من المئات يردد «العار»، في كل مرة يذكر فيها اسم نتنياهو
* خدمة «نيويورك تايمز»